للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل: دلائل النسخ]

...

فصل: اعلم أن هذا الفصل يشتمل على دلائل النسخ فنقول:

إذا ورد في الشيء الواحد حكمان مختلفان فلا يخلو أما أن يمكن استعمالهما ولا يتنافى اجتماعهما وذلك أن يكون أحدهما الأعم من الآخر والآخر أخص فيقضي بالأخص على الأعم فيستثنى منه كقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} [البقرة: ٢٢١] لما قابل عموم هذه الآية خصوص قوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم المائدة ٥ قضى بخصوص هذه الآية على عموم تلك الآية فصار كقوله ولا تنكحوا المشركات إلا الكتابيات وفي هذا النوع أن تساوي الآيتان في العموم والخصوص ويمكن أن نخص كل واحدة من الآيتين بالأخرى ومثال ذلك قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣] وقد قابلها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] ويجوز أن تكون كل واحدة من الآيتين مخصوصة بالأخرى فيحرم الجمع بين الأختين إلا بملك اليمين ويحل ملك اليمين إلا الجمع بين الأختين فتتكافأ الآيتين في الجواز ووجب الرجوع إلى دليل موجب تخصيص أحداهما بالأخرى ولذلك قال عثمان رضي الله عنه أحلتهما آية وحرمتهما آية والتحريم أولى والجملة في هذا الضرب من التعارض أنه إذا أمكن استعمال الآيتين أو تخصيص أحداهما بالأخرى يصار إلى الاستعمال والتخصيص إلا أن يقوم دليل على النسخ فيعدل بالتعليل عن التخصيص إلى النسخ وهذا كآية الوصايا وآية المواريث قد كان يمكن استعمالهما من غير نسخ لكن قد روى عن الصحابة أنهم قالوا: قد نسخت آية المواريث آية الوصية وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصيه لوارث" ١ فعدل بالدليل عن التخصص إلى النسخ وكان طاوس من بين التابعين بجمع بين الآيتين ولا يثبت النسخ هكذا أورده بعض أصحابنا وفيه نظر وتأمل.


١ أخرجه أبو داود الوصايا ٣/١١٣ ح ٢٨٧٠ والترمذي الوصايا ٤/٤٣٣ ح ٢١٢٠ والنسائي الوصايا ٦/٢٠٧ باب إبطال الوصية للوارث وابن ماجه الوصايا ٢/٩٠٥ وأحمد المسند ٤/٢٢٩ ح ١٧٦٨٠ انظر تلخيص الحبير ٣/١٠٦ ح ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>