قد ذكر أبو زيد فصلا في إبطال التقليد ولم أجد في ذكره كبير فائدة فتركته وذكر بعده فصلا في الإلهام وسأنقل ما ذكره وأتكلم عليه في الموضع الذى ينبغى أن نتكلم عليه. قال: الإلهام ما حرك العلم بقلب يدعوك إلى العمل به من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة.
قال جمهور العلماء: إنه خيال لا يجوز العمل به ألا عند فقد الحجج كلها في باب ما أبيح عمله بغير علم.
وقال بعض الجهمية: إنه حجة بمنزلة الوحى المسموع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج ذلك بقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: ٧] أى عرفها بالإيقاع في القلب وبقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}[الأنعام: ١٢٥] . وشرح الصدر بنور العلم والحرج والضيق بظلمة الجهل فالله تعالى أخبر أنه الفاعل لذلك بلا واسطة ولا صنع من العبيد وبقوله تعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً}[الأنعام: ١٢٢] فالحياة هى العلم والنور هو الهدى وقد أخبر أنه الجاعل لذلك فلا صنع منا بقوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠] فأخبر أن الناس