للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد خلقوا على الدين الحنيفي بلا صنع منهم. وقال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: ٦٨] فأوحى إليها أى ألهمها حتى عرفت مصالحها فلا ينكر مثل ذلك للآدمى وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧] وكان ذلك بطريق الإلهام وقال عليه السلام: "كل مولود يولد على الفطرة" ١ أي على دين الحق وليس للمولود نظر واستدلال وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل" ٢ والفراسة شئ يقع في القلب بلا نظر في حجة. وقال صلى الله عليه وسلم لوابصة وقد سأله عن البر والإثم: " ضع يدك على صدرك فما شك فيه قلبك فدعه وإن أفتاك الناس" فقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة قلبه بلا حجة أولى من الفتوى. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في هذه الأمة أحد منهم فهو عمر" ٣ أى منهم كأنه يوحى إليه ويحدثه ربه أو تحدثة الملائكة في قلبه. وقد روى عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال: ألقى في روعى أن ذا بطن خارجة جارية. وإلا لغى الإلهام وقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه تكلم في أشياء فنزل الوحى بذللك وقد كان ألهم قبل. وقد كان لأنبياء بني إسرائيل إلهام يتكلمون عنه وينزل ذلك بمنزلة الوحى إلى غيرهم. وقالت الأئمة فيمن اشتبهت عليه القبلة فصلى بغير تحرى بقلبة: لا تجوز.

وإن أصاب القبلة وإن صلى بتحرى قلبه تجوز صلاته وإن أصاب غير القبلة.

قالوا: فثبت أن الإلهام حق من قبل الله تعالى وأنه كرامة للآدمى وأنه وحى باطن إلا أنه إذا عصى ربه وعمل بهواه يحرم هذه الكرامة ويستولى عليه وحى الشيطان قال الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: ١٢١] فالمطيع لا يخفى عليه وحيه عن وحى الملك إلا على سبيل الغفلة التي تعترى القلب فينزل ثم ينتبه من ساعته ولا يقر عليه.

قالوا: بالقلب يمتاز له الحق من الباطل فاحتج أهل الإلهام بمثل هذه الحجج التي ذكرناها.


١ أخرجه البخاري: الجنائز "٣/٢٩٠" ح "١٣٨٥" ومسلم: القدر "٢٠٤٧" ح "٢٢/٢٦٥٨".
٢ أخرجه الترمذي: التفسير "٥/٢٩٨" ح "٣١٢٧" عن أبي سعيد الخدري وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب والطبراني في الكبير "٨/١٠٢" ح "٧٤٩٧" عن أبي أمامة وذكره الحافظ الهيثمي في المجمع "١٠/٢٧١" وقال: وإسناده حسن.
٣ أخرجه البخاري: أحاديث الأنبياء "٦/٥٩١" ح "٣٤٦٩" ومسلم: فضائل الصحابة "٤/١٨٦٤" ح "٢٣/٢٣٩٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>