للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: وأما حجة أهل السنة والجماعة قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [البقرة: ١١١] الآيه فألزمهم الكذب لعجزهم عن إظهار الحجة لأن الإلهام حجة باطنة فلا يمكن إظهارها وقال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: ١١٧] فقد وبخهم بدعوى إله غير الله لا برهان لهم به ولو كانت شهادة قلوبهم حجة لهم لما لحقهم التوبيخ فثبت أن الحجة التي يصح العمل لها ما يمكن إظهاره من النصوص والآيات التي عرفت حججا ويدل قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: ٥٣] وهذا يدل على أن العلم بالله تعالى لا يكون إلا بالآيات والآيات لا تدلنا إلا بعد الاستدلال بها عن نظر عقلى ويدل عليه قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧] الآية وقال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] وقال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] والله تعالى أمر بالنظر والاستدلال ولم يأمر بالرجوع إلى القلب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "بم تقضي؟ " قال: بكتاب الله قال: "فإن لم تجد في كتاب الله؟ " قال: بسنة رسول الله قال: "فإن لم تجد بسنة رسول الله؟ " قال: أجتهد برأيى١ فلم يذكر بعد الكتاب والسنة إلهام القلب وإنما ذكر الرجوع إلى النظر والاستدلال

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" ٢ وأجمعنا على أنه يجوز ترائى النظر والاستدلال بالأصول فدل أن المراد به الرأى بلا نظر ولأن الرأى بلا نظر لو كان حجة يعمل بها كالوحى لحل كل إنسان أن يدعوا الخلق إلى ما عنده بل وجب كما وجب على نفسه العمل به وكما كان يجب على النبى صلى الله عليه وسلم قال: ومن قال هذا فقد كفر.

قال: ونقول أيضا على أهل الإلهام: ما قولكم في الإلهام؟ أهو حجة بلا موافقة الشرع أو ما كان وافق أم خالف؟

فإن قال: يكون حجة وإن خالف فهذا لا يقوله مسلم وفيه رفع الإسلام وإن قال: بموافقة فلا تثبت الموافقة إلا بالنظر في أصول الشرع وأيضا فإن الإلهام قد يكون من الله تعالى وقد يكون من الشيطان وقد يكون من النفس فإن كان من الله تعالى يكون حقا


١ أخرجه أبو داود: الأقضية "٣/٣٠٢" ح "٣٥٩٢" والترمذي: الأحكام "٣/٦٠٧" ح "١٣٢٧".
٢ أخرجه الترمذي: التفسير "٥/١٩٩" ح "٢٩٥٠- ٢٩٥٢" وأحمد: المسند "١/٣٠٦" ح "٢٠٧٤" نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>