للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن كان من الشيطان أو من النفس لا يكون حقا بل يكون باطلا فإذا احتمل أن لا يكون حقا يدل أن كل إنسان١ في دعوى الإلهام مثل صاحبه فإن قال ألهمت أن ما أقوله حق وصواب فيقول الآخر إن ما تقوله خطأ وباطل.

ونحن نقول لهؤلاء: إنا ألهمنا أن ما تقولنه خطأ وباطل. قالوا هذا دعوى منكم نقول ما تقولنه أيضا دعوى. فإن قالوا: إنكم لستم من أهل الإلهام نقول أيضا إنكم لستم من أهل الإلهام وبأى دليل صرتم من أهل الإلهام دوننا.

قال أبو زيد: وقد ابتليت بقوم زعموا أن العبد يرى ربه بقلبه فيعرفه بلا نظر واستدلال بالآيات وهذا قول لم يكن في السلف والقلب مضغة ليس لها حاسة رؤية مثل ما ليس لسائر الأعضاء حاسة رؤية فلا فرقق بين قول من يقول رأيت ربى بقلبى وبين قول من يقول رأيت ربى بيدى أو سمعني قال وأما رؤية القلب علمه بنظره ونظره التفكير لا يتصور غيره ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في الآيات ولا تتفكروا في الذات" ٢ لأن الآيات محسوسة فالتفكر فيها يدلنا على الله تبارك وتعالى وأما التفكر في الذات يوجب التعطيل كنظر العين إلى ما لا يرى وإنما مثله نجار في بيت لا يرى ويخرج منه الخشب المنجورة فيقيل نظر الناظر إلى الخشب المنجورة العلم بالنجار ولا علم له بوجود النجار. فأما نفسه فلا علم له بها.

وحكى لنا عن محمد بن زكريا أنه قال لأصحابه: إذا كلمكم الموحدون في الآيات فكلموهم في الذات وبه تعلق فرعون [فى] ٣ محاجة موسى عليه السلام. قال: وما رب العالمين؟ فأعرض موسى عن جواب المحال وأجاب بالوصف قال رب السماوات والأرض. وما [أخطأ] ٤ الحكماء الأوائل إلا بتفكرهم في الذات والماهية.

قال: فأما الجواب عن تمسكهم بقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: ٨] تأويله والله أعلم عرفها بطريق العلم وهو الآيات والحجج طريق الفجور والتقوى وكذلك شرح الصدور بنور التوفيق وهو النظر والحجج وكذلك الأخبار المذكورة فى


١ ثبت في الأصل [الإنسان] ولعل الصواب ما أثبتناه.
٢ من حديث ابن عمر بلفظ "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله" أخرجه البيهقي "١/١٣٦" ح "١٢٠" وقال: وفيه نظر وذكره الحافظ الهيثمي في المجمع "١/٨٦" وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوازع بن نافع وهو متروك.
٣ بياض في الأصل.
٤ بياض في الأصل ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>