القرآن للقلب هو بنور الأدلة وبما أراه من الآيات والاهتداء للعبرة إنما يكون بهداية الله تعالى وذلك بطريق الهداية بعد جهاد العبد قال الله تعالى:{وَالذينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩] "وقال تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}[الشورى: ١٣] وإنها أدنى الدرجتين والأعلى بالإصطفاء والاختيار كما قال تعالى: {يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ}[الشورى: ١٣] وقال: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}[الضخى: ٧] ولم يذكر جهاده. فالله تعالى يجتبى إليه من يشاء بروح القدس وكمال نور العقل وزكا الطريق والتوفيق بأداة الحجج كرامة ابتداء حتى يصير موكلا على النظر في الآيات فتبين له أنه الحق كما يتبين للكافر يوم القيامة.
قال وأما الفطرة فتأويلها أن الآدمى يخلق وعليه أمانة الله التي قبلها آدم عليه السلام فيكون على فطرة الدين ما لم يخن فيما عليه من الأمانة وكان على عذر في ترك الأداء عن عجز على مابينا في باب حمل الأمانة. فأما وحى النحل فإنما أنكرنا مثل ذلك في علم خوطبنا بكسبه وابتلينا به وأما وحى أم موسى فإنا نقول به وبيانه أن أم موسى خافت على موسى القتل من فرعون لما ظهرت من سنته ومن خاف على نفسه الهلاك حل له إلقاؤه في البحر إن نجا فيه النجاة بوجه وراكب السفينة إذا ابتلى بالحريق حل له ركوب لوح في البحر ولأن من ابتلى بشرين لزمه اختيار أهونهما فقد فعلت الذى فعلت بالنظر ومعنى الوحى هو إلقاء النظر في قلبها وأما كرامة الفراسة فلا ننكرها أصلا ولكنا لا نجعل شهادة القلب لجهلنا أنها عن الله تعالى أو من إبلييس أو من نفسه وأما قول الصحابة رضوان الله عليهم فلم يثبت توحيد قول منهم بعد إلا على نظر واستدلال فهذا جملة الذى نقلته من قوله في الإلهام وقد تركت بعض ما أورده طلبا للاختصار.
واعلم أن إنكار أصل الإلهام لا يجوز ويجوز أن يفعل الله تعالى بعبد بلطفه كرامة له. ونقول في التمييز بين الحق والباطل من ذلك أن كل من استقام على شرع النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن في الكتاب والسنة ما يرده فهو مقبول وكل ما لا يستقيم على شرع النبى صلى الله عليه وسلم فهو مردود ويكون ذلك من تسويلات التفس ووساوس الشيطان ويجب رده على أنا لا ننكر زيادة نور الله تعالى كرامة للعبد وزيادة نظر له فإما على القول الذى يقولونه وهو أن يرجع إلى قوله في جميع الأمور فلا نعرفه والله تعالى أعلم وأحكم.