للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل: مجرد السكوت لا يدل عندنا على سقوط ما عدا المذكور]

كما يدل عند من يذهب إلى أن الأشياء أصلها على الإباحة إنما هو بحسب الحال وقيام الدليل عليه وذلك على ضروب أما سكوت النبى صلى الله عليه وسلم عن الشئ يفعل بحضرته ولا يغيره ولا ينهى عنه فإنه دليل الجواز وقد سبق هذا ولأن الله تعالى وصفه بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإذا رأى الشئ وسكت عنه ولم يغيره دل أنه غير منكر وكذلك هذا فيما كان يبلغه عنهم ويعلمه ظاهر من حالهم أو بتقرير عنه من عاداتهم مما سبيله الاعتبار والاستشارة فلا يعرض لهم بنكير ولا يعتبر كنوم أصحابه قعودا ينتظرون الصلاة فلا يأمرهم بتجديد الطهارة وكعلمه أن أهل الكتاب يتعاملون بالربا ويشربون الخمور فلا يتعرض لهم ويتصل بهذا ما استدل أصحابنا به من سقوط الزكاة في أشياء سكت النبى صلى الله عليه وسلم عنها من الزيتون١ والرمان٢ ونحوهما وذلك أنه كان لا يخفى عليه أن الناس يتخذونها كما يتخذون الكروم والنخيل وكان الأمر في إرساله المصدقين والسعاة في أقطار الأرض ظاهرا بينا وكان إذا بعثهم كتب لهم الكتب فيقرءوها بحضرته ويشهد عليها ولو كان يجب فيها شئ لأمر بأخذه ولو أمر لظهر كما ظهر غيره من الأشياء التي انتظمها الوجوب والإباحة فلما لم يكن كذلك دل على سقوط الزكاة عنها. وأما قول من روى أنهم كانوا يبيعون أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما لم يجر هذا المجرى في الدلالة على جواز بيعهن لأنه لا يعلم إن كان يبلغه هذ الفعل عنهم أو يظهر له ذلك من صنيعهم وقد قام الدليل على فساد بيعهن من وجوه فلم يجز أن يعترض بهذا على مثل تلك الدلائل وأما الشئ إذا كان له أصل في الوجوب والسقوط فإن السكوت قد يقع عنه في بعض الأحوال استغناء بما يقدم من


١ قال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي: واختلفت الرواية في الزيتون فقال أحمد في رواية ابنه صالح: فيه العشر إذا بلغني خمسة أوسق وإن عصر قوم ثمنه لأن الزيت له بقاء وهذا قول الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري وأصحاب الرأي وروى عن ابن عباس.
وعن أحمد: لازكاة فيه وهو اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحد قولى الشافعي لأنه لا يدخر يابسا فهو كالخضروات انظر المغنى "٢/٥٣٣".
٢ انظر المغنى "٢/٥٥٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>