ألا ترى أنه يحسن أن يقول العبد أن كنت عصيتك فى سلوك هذا الطريق فقد أطعتك فى حمل هذه الخشبة إلى موضع كذا ويقول لهم أيضا هل يجوز أن يشتمل الفعل الواحد على معنيين مختلفين فى حكم الشارع فإن قالوا: لا.
قلنا الدليل على جواز ذلك أن من وقف على جبل مغصوب بعرفات فقد اشتمل وقوفه على ما هو طاعة وهو الوقوف بعرفة وعلى ما هو معصية وهو استعمال جبل الغير وكذلك إذا توضأ بماء مغصوب فإن حركاته فى الوضوء اشتملت على شيئين مختلفين على استعمال ماء الغير وهو معصية وعلى فعل الوضوء وهو طاعة وكذلك إذا ذبح بسكين مغصوب فإن فعله اشتمل على استعمال سكين الغير وهو معصية وعلى ذبح الشاة وهو مباح جائز وإذا نوى الإنسان الصوم ونام فى نهاره فإنه فى حال نومه فاعل للصوم وفاعل للنوم وهذه المسائل كلها مسلمة ولم ينقل عن المخالفين منع شىء منها وأقواها مسألة صوم الشيخ والمريض اللذين يستضران بالصوم ومسألة الوضوء بالماء المغصوب والوقوف على جبل مغصوب فإذا ثبت ما قلناه فنقول إذا صلى فى أرض مغصوبة فنقول النهى فى شغل أرض الغير والأمر بالصلاة فهو مأمور بهذا الفعل من حيث أنه صلاة منهى عنه من حيث أنه شغل ملك الغير والجواز من حيث أنه صلاة لا من حيث أنه شغل ملك الغير وإن شئت عبرت عن هذا بالطاعة والمعصية فقلت: أنه مطيع من حيث الصلاة عاص من حيث شغل ملك الغير وهو مثل مسألة المريض إذا صام والوضوء بالماء المغصوب والوقوف على جبل مغصوب وهو مأمور مطيع من حيث فعل الصوم وفعل الوقوف وفعل الوضوء عاص منهى عنه من حيث الإضرار بنفسه واستعمال مال الغير وجبل الغير وهو لأن شغل ملك الغير ينفصل عن الصلاة والصلاة تنفصل عن شغل ملك الغير فإذا انفصلا حسا فيجوز أن نجعل فعله فيهما كفعلين منفصلين فيكون مطيعا بأحدهما عاصيا بالآخر والدليل عليه المسائل التى قلناها والحرف فى هذه المسألة أنا وجدنا فعلا من حقه أن يكون طاعة وقد وقع قبيحا ومعصية ومع ذلك أجزأ عن الطاعة وكان طريق جوازها ما ذكرنا كذلك هاهنا وأما فصل النية التى قالوا: بها فنحن إذا فصلنا الطاعة عن المعصية استقام فيه النية وقد نقل بعض المتأخرين من أصحابنا عن القاضى أبى بكر الباقلانى كلاما غير مفهوم فى هذه المسألة وهو أن صلاة الإنسان فى الأرض المغصوبة.