فالأول مثل قوله صلى الله عليه وسلم فى الهرة إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات فاقتضى عموم طهارة كل ما كان من الطوافين علينا وأمثال هذا تكثر وأما المقتضى للعموم وما يرجع إلى السؤال نحو أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن جامع زوجته فيقول: عليه الكفارة فيعم ذلك كل من أفطر وأما العموم مفهوم الخطاب نحو قوله صلى الله عليه وسلم فى سائمة الغنم زكاة فدل هذا أن لا زكاة فى كل ما ليست بسائمة.
مسألة: واختلف أصحابنا فى المجاز هل يتعلق به العموم على وجهين:
فقال بعضهم لا يدخل فى العموم إلا الحقائق وقال آخرون يدخل فيه المجاز كالحقيقة لأن العرب تتخاطب به كما تتخاطب بالحقيقة واختلف الأصحاب أيضا أن لفظ العموم هل يتناول ما يمنع دليل النقل من إجراء حكمه عليه كقوله تعالى:{خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وكقول القائل اضرب كل من فى الدار ونحو ذلك لأن الله تعالى شىء ويمنع العقل أن يكون خالق نفسه وكذلك يمنع العقل أن يكون المأمور يضرب كل من فى الدار مأمورا بضرب نفسه فقال بعضهم أن موضوع اللفظ يتناوله لأن الدليل يوجب إخراجه منه.
وقال آخرون بل هو خارج منه لسقوطه فى نفسه بما ذكرناه وقالت هذه الطائفة أن اللفظ لم يتناوله أصلا فهذا هو الكلام فى ألفاظ العموم ويلحق هذا الموضع ما صح فيه دعوى العموم ما لا يصح وجملة ذلك أن العموم يصح دعواه فى نطق ظاهر يستغرق الجنس لفظه كالألفاظ التى ذكرناها فيما تقدم وأما الأفعال فلا يصح فيها دعوى العموم لأنها تقع على صفة واحدة فإن عرفت تلك الصفة اختص الحكم بها وأن لم تعرف صار مجملا فيما عرفت صفته مثل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين فى السفر فهذا مقصور على ما ورد فيه وهو السفر ولا يحمل على العموم وما لم تعرف مثل ما يروى أنه عليه السلام جمع بين الصلاتين فى السفر فلا نعلم أنه كان فى سفر طويل أو سفر قصير إلا أنه معلوم أنه لم يكن إلا فى سفر واحد فإذا لم يعلم ذلك تعينه وجب التوقف فيه حتى تعرف ولا يدعى هو العموم وكذلك القضايا فى الأعيان لا يجوز دعوى العموم فيها وذلك مثل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة للجار وقضى فى الإفطار بالكفارة وما أشبه ذلك فلا يجوز دعوى.