وإذا عرفنا أن العموم المخصوص لا يصير مجازا حجة فى الباقى فنقول قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}[التوبة ٥] عام مخصوص والاستدلال به جائز على ما سبق وكذلك قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨] فإنه عام فى كل سارق سرق قليلا أو كثيرا من حرز أو من غير حرز فقيام الدلالة على اشتراط الحرز وقدر مخصوص لا يمنعنا من العلم بوجوب قطع من سرق نصابا من حرز بالآية وذهب بعض أصحاب أبى حنيفة إلى أنه لا يجوز التعلق بهذه الآية لأنه قد شرط فى القطع شرط لا ينبىء عنه لفظ الآية فلم يكن إيجاب القطع بمجرد قوله سارقا وهو الذى يتناوله لفظ الآية وفى قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} يقتل الحربى لكونه مشركا وربما يقولون بعد قيام الدلالة على اشتراط الحرز ومقدار المسروق ولا يمكن أن يستدل بالآية على قطع من وجد فيه الشرطان إلا بعد أن يضم إلى الآية ما دل على اشتراط الشرطين فثبت أنه لا يجوز التعلق بظاهر الآية.
والجواب أن كلا الكلامين ليس بشىء.
أما الأول فنقول أن كان اللفظ لا ينبىء عن النصاب والحرز فلفظ المشركين لا ينبىء عن عدم العهد ولا عن الذكورة أيضا لكن قيل أن قوله:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} عام فى أهل العهد وأهل الحرب فمنع قتل أهل العهد بتخصيص كذلك قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} عام فى السارق من حرز وغير حرز وكذلك سارق النصاب وما دونه ومنع قطع السارق ما دون النصاب أو من غير حرز تخصيص وكلامه الثالث يدخل عليه أيضا قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} لأنه لا يمكن قتل المشرك الذى هو غير المعاهد إلا بعد أن يضم دليل الشرطين.
فإن قالوا: هناك قتلناه لأنه مشرك فحسب.
قلنا وهاهنا أيضا إذا سرق نصابا من حرز نقطعه لأنه سارق فحسب وهذا لأنه يحتاج إلى إثبات الشرطين بدليلهما حتى لا يقطع بعض السراق لا لتقطع من يجب قطعه مثل أنه قتل المشركين.
إنما احتجنا إلى إثبات الشرطين حتى لا نقتل بعض المشركين لا لنقتل من يجب قتله إلا أن البيان لذلك قد يرد بلفظ النفي بأن يقول: لا تقطعوا من سرق من غير حرز وقد يرد بلفظ الإثبات بأن يقول: الحرز والنصاب شرط فى القطع وكلا القولين قضيته.