وورد فيه الخلاف فالأول قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله إلى قوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ}[المائدة: ٣٤] فهذا الاستثناء ينصرف إلى جميع المذكور بالإجماع.
وقال تعالى فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة إلى قوله:{إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}[النساء: ٩٢] فهذا يرجع إلى أقرب ما يليه وهو الدية ولا ينصرف إلى التحرير وإنما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} إلى قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[النور: ٤ , ٥] فهذا موضع الخلاف وعندنا ينصرف إلى جميع ما تقدم وعندهم ينصرف إلى ما يليه وهو قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: ٤] فأما من قال أن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه من الجمل المذكورة فاحتج بوجوه من الكلام.
أحدها أن أول الكلام مطلق فله حكم إطلاقه وآخر الكلام مقيدا بالاستثناء فله حكم تقييده وهذا كقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}[النساء: ٢٣] فقد انصرف هذا التقييد إلى الربائب وبقى الأول على إطلاقه وهذا معنى ما روى عن الصحابة فى هذا أبهموا ما أبهم الله.
ببنية: أن أول الكلام لما كان عاما والاستثناء المذكور فى آخر الكلام يحتمل أن ينصرف إلى جميع ما تقدم ويحتمل أن ينصرف إلى ما يليه فلم يجز إبطال صفة العموم عن أول الكلام بالشك وربما يقول: أن أول الكلام عام فمن ادعى تخصيصه فعليه الدليل كسائر العمومات.
وحجة أخرى بأن الاستثناء إنما يرد إلى ما تقدم إذا كان لا يستقل بنفسه لأنه إذا لم يستقل بنفسه لم يقدر فوجب تعليقه بما تقدم ليستقل ويفيد.
ألا ترى أنه إذا استقل بنفسه لم يعلق بما تقدم.
قالوا: وإذا علقناه بالذى يليه فقد استقل وأفاد فلا يعلق بما زاد عليه لأن تعليقه بما زاد على ذلك يجرى مجرى تعليق المستقل بنفسه بغيره لا من ضرورة.
دليل آخر لهم قالوا: الاستثناء من الجمل كالاستثناء من الاستثناء وإذا كان الاستثناء من الاستثناء يرجع إلى ما يليه ولا يفتقر فى إثبات استقلاله إلى أكثر من ذلك فكذلك الاستثناء من الجمل يكون كذلك.
قالوا: وليس هذا كما لو عقب الجمل بشرط حيث يرجع إلى جميع ما تقدم لأن.