وهذا لأنه قدوة الأمة فإذا وضعنا الخطاب على التخصيص الذى يقتضيه ظاهرة وقطعنا الأمة عنه مع جريان عادة أهل اللسان فى خطاب الواحد ويريدون به الجماعة يؤدى إلى خرم قاعدة الاقتداء به وقد أمر الله صلى الله عليه وسلم تعالى باتباعه فى مواضع كثيرة من القرآن وربما يؤدى قطع المشاركة فى الأحكام إلى نفرة القلوب عنه وتباعدها منه فالأولى ما ذكرنا والله أعلم بالصواب.
وأما إذا خصص الرسول صلى الله عليه وسلم واحدا من أمته بخطاب فقد ذكر بعضهم خلافا فى هذا وقال من العلماء من صار إلى أن المكلفين قاطبة يشاركون المخاطب ومنهم من قال لا يشاركون فمن قال بالأول صار أن الأصل أن جميع الأمة فى الشرع سواء بلا تخصيص لواحد من بين الجماعة وقد جرت عادة أهل اللسان أنهم يخاطبون الواحد ويريدون به الجماعة وهذا فى كلام كثير.
وأما من قال بالثانى فقد ذهب إلى صورة الصيغة وهى مختصة بالواحد من بين الجماعة فلا يجعل للتعميم إلا بدليل والأول أولى لأنا وأن كنا إذا نظرنا إلى مقتضى الصيغة كان موجبا للتخصيص ولكن إذا نظرنا إلى ما استمر الشرع عليه فذلك يقتضى المشاركة والمساواة ألا ترى أن اللفظ الذى يخص به أهل عصر يكون مسترسلا على الأعصار كلها ولا يخص به أهل العصر الأول كذلك هاهنا.
مسألة: ومما يتعلق بباب العموم والخصوص مسألة المطلق والمقيد.
اعلم أن الخطاب إذا ورد مطلقا لا تقييد له يحمل على إطلاقه وأن ورد مقيدا لا مطلق له حمل على تقييده وأن ورد مطلقا فى موضع ومقيدا فى موضع ينظر فى ذلك فإن اختلف السبب واختلف الحكم جميعا مثل ما ورد من تقييد الصيام بالتتابع فى كفارة القتل وإطلاق الإطعام فى الظهار لم يحمل أحدهما على الآخر بل يعتبر كل واحد منهما بنفسه لأنهما لا يشتركان فى لفظ ولا فى معنى١.
وإن كان ورودهما فى حكم واحد وبسبب واحد مثل أن يذكر الرقبة مطلقة فى.
١ انظر إحاكم الأحكام للآمدي ٣/٣ روضة الناظر ٢٣٠ المحصول ١/٤٥٧ التصريح على التوضيح ١/٦٣ حاشية الشيخ بخيت المطيعي ٢/٤٩٦ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٢/٣٣٣.