ولو كان ذلك موضوعا لهما على السواء لم يسبق إلى الأفهام أحدهما.
فإن قيل فإذا كانت الحقائق تعم المسميات فلماذا تجوزوا بالأسماء فى غير ما وضعت له قلنا المجاز يشتمل على أشياء لا توجد فى الحقيقة يقصدها العرب فى كلامها منها المبالغة وإنا إذا وصفنا البليد بأنه حمار نكون أبلغ فى البيان عن بلادته من قولنا بليد ومنها الحذف والاختصار ومنها التوسع فى الكلام ومنها الفصاحة وأما الخلاف فى الاسم فبأن مبهم المجاز أن استعمال اسم الحمار فى البليد ليس موضوع له فى الأصل وأنه بالبهيمة أخص لكن نقول لا نسميه مجازا إذا عنى به البليد ولأن أهل اللغة لم يسموه بذلك بل أسميه مع قرينة حقيقة.
فيقال له أن أردت أن العرب لم تسميه بذلك فصحيح وأن أردت أن الناقلين عنهم لم يسموه كذلك فباطل تلقيهم كتبهم بالمجاز وأنهم يقولون فى كتبهم هذا الاسم مجاز وهذا الاسم حقيقة وليس إذا لم يشتهر العرب بذلك يمنع أن يضع الناقلون عنه له هذا الاسم ليكون آلة وأدلة فى صناعتهم لأن عبارة أهل الصنايع أنهم يعقلون ذلك ولهذا يسمى النحاة الضمة المخصوصة رفعا والفتحة نصبا ولم يلحقهم بذلك عتب وأما تسمية الخصم مجموع الاسم والقرينة مجموع حقيقة فإنه أوضح ذلك بقدح ذلك فى تسمية أهل اللغة الاسم بانفراده مجازا على ما حكيناه عنهم.