إنزال الله تعالى القرآن بلسان العرب يقتضى حسن خطابه إيانا فيه بلغتها ما لم يكن فيه تنفير والتنفير يكون بالكلام السخيف الذى ينسب قائله إلى المجون والغى وليس هذا سبيل المجاز لأن أكثر الفصاحة إنما يظهر بالمجاز والاستعارة ثم الدليل على أن فى القرآن مجازا كقوله تعالى:{جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}[لكهف: ٧٧] وقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر: ٩٤] وقوله تعالى واخفض لهما جناح الذل من الرحمة الإسراء ٢٤ وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأحزاب: ٥٧] وقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}[القلم: ٤٢] أى شدة وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}[الفرقان:٢٣] أى ذاهبا وقال تعالى فى حل النساء: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة: ١٨٧] وقال تعالى كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله المائدة ٦٤ فليس يخلو أما أن يقول هذه الألفاظ وضعت فى الأصل للمعانى التى أراد الله سبحانه وتعالى وهذا قد أفتاه من قبل وأما أن يقول: هذا الكلام كان مجازا فى اللغة بهذه المعانى ثم نقل إليها بالشرع فصار من الحقائق الشرعية وهذا باطل لأنه لو كان كذلك لسبق إلى أفهام أهل الشرع معانيها التى أرادها الله عز وجل كما يسبق إلى أفهامهم الصلاة الشرعية ومعلوم أنه لا يسبق إلى الأفهام فى قوله: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}[لكهف: ٧٧] الإرادة التى توجد للإنسان وقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}[الحجر: ٩٤] الصدع الذى هو الشق وكذلك فى قوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}[الاسراء: ٢٤] الجناح الذى يكون للطائر فثبت بطلان ما ادعوه وعرف قطعا وجود المجاز فى القرآن.
فأما قولهم أن العدول إلى المجاز عجز إنما يقتضى العجز عن الحقيقة أو لم يحسن العدول إلى المجاز مع التمكن من الحقيقة ومعلوم أن العدول إلى المجاز يحسن لما فيه من زيادة اللفظ والمبالغة فى التشبيه والتوسع فى الكلام والاختصار والحذف على ما هو عادة العرب فدل أن ذلك ليس بعجز.
وأما قولهم أنه لو جاز ذلك لجاز أن يسمى الرب عز وجل متجوزا أو مستعيرا.
قلنا عندنا لا يجوز أن يسمى الرب تعالى أو يوصف بوصف إلا الذى ورد به القرآن والسنة ولأنه لما يقال فى العادة فلان متجوز فى أفعاله وأقواله إذا كان يسمى بالقبح منها.
وأما قولنا مستعير فإنما يفهم من إطلاقه إذا استأذن غيره فى التصرف فى ملكه.