قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠] والهدى اسم الإيمان والشرائع جميعا لأن الاهتداء بها كلها ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}[المائدة: ٤٤] وقوله النبيون الذين أسلموا قد دخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقيل أنه أراد بها النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص وقوله فى قصة اليهوديين اللذين زنيا ورجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوراة وحكمه بها على هذا القول أكثر أهل التفسير وبه وردت الرواية ويدل عليه أن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن سجدة ص فقال سجدها داود وهو ممن أمر نبيكم أن يقتدى به١ وأيضا فإن الله تعالى قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً}[الشورى: ١٣] والدين اسم لما يدان الله به من الشرائع ولأن ما أنزله الله تعالى من الشرع شرع ثبت لكل الناس ما لم يثبت نسخه وليس فى بعث الرسول الثانى ما يدل على نسخ ما كان شرعا من قبل لما بينا أنه غير ممتنع أن يكون شرع الأول شرعا للثانى فعلى هذا شرائع من قبلنا شرائع الله تعالى ولم يعرف نسخها ثبت حقا وشرعا إلى أن يعرف نسخها قال أبو زيد فى أصوله والصحيح هذا المذهب وهو أنه كان متعبدا بشرع من قبله إلا أن بقاء ذلك الشرع لا يثبت بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا لحكايته أنها ثابتة لأن الله تعالى أنبأنا أنهم حرفوا الكلم عن مواضعها وخانوا فى النقل فصاروا مردودين الشهادة ولأن عداوة الدين كانت ظاهرة منهم واتهموا بالحيل واللبس فيما يظهرون من شر لبعض فلم يصر كلامهم حجة علينا إلا ما نقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا أنها ثابتة بوحى متلو وغير متلو قال فالشرائع التى كانت من قبل تبقى حقا فى نفسها لأنها كانت مطلقة غير مقبولة فبعث نبى آخر ولكن لا يثبت شرعهم بنقلهم ولكن بنقل الثانى.
قال وفيه كان عرف المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث لم يصدق غيره عليه ولزم الماضين من الرسل اتباعه لو كانوا أحياء قالوا: ولهذا لم يرجع إليهم ولم يراجعهم فى معرفة الأحكام وربما يستدل من ذهب إلى هذا المذهب بحال النبي صلى الله عليه وسلم قبل الوحى بأنه كان متبعا شريعة من قبله بدليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يحج ويعتمر ويفعل وجوه الخيرات ويذبح وينحر ويطوف ويعظم البيت ولا بد أن هذه الأفعال كانت منه باتباعه شريعة من قبله لأنه لم يكن ينزل عليه الوحى بشرع يدل عليه أن الله تعالى لا يخلى زمانا من شرع وإذا لم يكن عليه شرع فلا بد أن يكون الذى عليه شريعة من قبله فأما دليلنا قوله تعالى.