بقول الواحد والاثنين لا نعرف قلنا فيما طريقة العلم يعرف وعلى أنه كان يخالط أهل العلم النقل للكتب المتقدمة ليعرف ما فيها بطريق التواتر حتى لا يذهب عليه شرع من الشرائع التى تعبد به والذى قاله أبو زيد فى حجتهم أنه لا يثبت بما شرعهم إلا بقول من الرسول صلى الله عليه وسلم قلنا فإن ذلك القول وكان ينبغى أن يوقفه الله عليه وليس أوقفه الله عليه وكان ينبغى أن يعلمنا ذلك حتى لا يذهب علينا شريعة من الشرائع التى تعبدنا الله تعالى بها وقد قال بعض من ذهب إلى هذا المذهب أنه لو كان متعبدا بشرع من سلف لم ينسب جميع شرعه إليه كما لا ينسب شرعه عليه السلام إلى بعض أمته وفيما قالوه جعل الرسول كأنه أمة من تقدمه وهذا غض من درجته وحط عظيم من مرتبته ومنزلته واعتقاد أنه تبع لكل نبى من تقدمه وهذا لا يستجيزه أحد من أهل الملة بل فيه التنفير عنه لأنه يكون تابعا بعد أن كان متبوعا ومدعوا بعد أن كان داعيا أما الجواب عما تعلقوا به قلنا أما الآية الأولى فلا تعلق لكم بها لأن المذكور اسم الملة واسم الملة لا يقع إلا على الأصول من التوحيد والإخلاص لله تعالى بالعبادة وغير ذلك ولا يقع هذا الاسم على فروع الشرائع التى يقع اختلافنا فى ذلك ولهذا لا يقال ملة أبى حنيفة وملة الشافعى ويقال مذاهبهما مختلفة ولا يقال ملتهما مختلفة ويدل عليه أن الله تعالى قال:{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل: ١٢٣] فعلمنا أنه أراد بالملة أصل الدين ويدل عليه أن شريعة إبراهيم قد انقطع نقلها وكيف يحثه الله تعالى على اتباع ما لا سبيل له.
وأما قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠] فقد أمر الله تعالى باتباعه هدى يضاف إلى جماعتهم والهدى المضاف إلى جماعتهم هدى التوحيد الذى اجتمعوا عليه دون الشرائع التى اختلفوا فيها وأما قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}[المائدة: ٤٤] قلنا ظاهر هذا يقتضى أن يحكم بها كل النبيين فعلى هذا لا بد من حمله على التوحيد ليدخل جميع النبيين فيه لأننا نقطع أن بعض الشرائع قد تنسخ بعضا على تفاصيل معلومة وأما قولهم أنها نزلت فى شأن اليهوديين اللذين زنيا قلنا قد يسقط استدلالكم بالطريق الذى قلناه ويجوز أن يكون المراد بالذين أسلموا جماعة من أنبياء بنى إسرائيل بعثوا على شرع التوراة والدليل على أن المراد بالآية ما ذكرنا أنه لم ينقل رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوراة فى طلب الأحكام وأما قصة اليهوديين فليس يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليها مستفيدا لحكم منها ويجوز أن نرجع إليها لنتبين كذبهم فيما ادعوا أنه ليس حد الزنا.