عليه ومعلوم أن الأمر والنهى من اشد ما تقع الحاجة إليه وهما داخلان في عامة المخاطبات التي تدور بين الناس ونقل ذلك اكثر من الخبر والاستخبار فيستحيل أن يخلو كلام العرب مع سعته وكثرة وجوهه من صيغة الأمر والنهى ولفظة مفردة تدل عليهما بأنفسهما.
وأما الذي قالوا: أن هذا اسم مشترك مثل سائر الأسماء المشتركة ويقع البيان بهما عند ارادة احد وجوههما.
قلنا نحن لاننكر وجود الأسماء المشتركة في اللغة ولكن ليس هذا من جملتها لانه لو كان يقول القائل لغيره افعل حقيقة في أن يفعل وحقيقة في التهديد الذي يقتضى في أن لا يفعل أو غير ذلك مما ذكروه لكن اقتضاؤه لكل واحد من هذين على سواء لا ترجيح لأحدهما على الآخر ولو كان كذلك لما سبق إلى افهامنا عند سماعها من دون قرينة أن المتكلم بها يطلب الفعل ويدعو إليه كما أنه لما كان اسم اللون مشتركا بين البياض والسواد لم يسبق عند هذه اللفظة من دون قرينة السواد دون البياض ومعلوم أنا إذا سمعنا قائلا يقول لغيره افعل وعلمنا تجرد هذا القول عن كل قرينة فإن الاسبق إلى افهامنا أنه طلب للفعل كما انا إذا سمعناه يقول: رأيت حمارا فإن الاسبق إلى أفهامنا الدابة المعروفة دون الابله الذي يشبه بها وقد بطل بهذا الكلام دعواهم أن الاسم المشترك وإذا بطل الاشتراك لم يبق إلا ما بينا من تعيين وجه واحد له وهو طلب الفعل.
وأما الجواب عن كلامهم أما الأول قولهم أنه قد ورد لكذا وورد لكذا قلنا هذه الصيغة موضوعة بنفسها لطلب الفعل وإنما حملنا على ما سواه في المواضع التي ذكرها بقرائن دلت عليها.
وأما الأسماء المشتركة فقدمنا الجواب عنها وهذا لأن اللون والعين واشباه ذلك لم توضع لشيء معين وإنما قوله افعل وضع لمعنى معين.
ألا ترى أن من أمر عبده أن يضع الثوب يكون لم يستحق له الذم باي صيغ من صيغه فلو قال لعبده اسقنى استحق الذم بتركه السقى ولو كان قوله اسقنى مشتركا بين الفعل والترك واشتراك اللون بين السواد والبياض لم يجز أن يستحق الذم والتوبيخ بترك السقى وهذا لأن أهل اللغة لم يضعوا اسم اللون بعينه وقد وضعوا قوله افعل لمعنى تعينه وهو طلب الفعل على ما سبق.