فزعموا أن هذه القراءة وأن كان النقل قد انقطع فيها فلا يكون دون الخبر الواحد فلا بد أن يكون حجة.
قالوا: وقد كانت قراءة ابن مسعود مستفيضة فى الأتباع وأتباع الأتباع ثم انقطع النقل فبقيت بطريقة الآحاد فجعلنا مواجبها بمنزلة مواجب أخبار الآحاد وتعلقوا أيضا بما نقل فى قراءته فى آية السرقة والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما وفى مسألة نفقة المبتوتة بما وجد فى قراءة ابن مسعود فى صورة الطلاق أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وأن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وإذا وضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن هكذا قراءته فى المصحف المنسوب إلى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فظاهرها يقتضى وجوب النفقة على الإطلاق ويقتضى أن ذكر مدة الحمل ليس لأن النفقة واجبة وأن طالت مدة الحمل وقد حملوا القراءة المعروفة على هذا وأثبتوا فيها تقديما وتأخيرا ذكر ذلك أبو زيد فى الأسرار.
ونحن نقول أن الاحتجاج بالقراءة الشاذة ساقط والدليل عليه شيئان أحدهما القرآن قاعدة الإسلام ومنبع الشرائع وإليه الرجوع فى جميع الأصول ولا أمر فى الدين أهم منه والأصل أن كل ما جل خطره وعظم موقعه فى أمر الدين فأهل الأديان يتواطئون ويتفقون على نقله وحفظه وتتوفر دواعيهم على ذلك فلو كانت هذه القراءة من القرآن الذى أنزله الله تعالى لنقل نقلا مستفيضا ولشاع ذلك فى أهل الإسلام وحين لم ينقل دل أنه ليس بقرآن وإذا لم يكن من القرآن الذى أنزله الله تعالى لم يقم به حجة لأنه لو كان حجة لكان حجة من هذه الجهة.
ببينة: أن لا خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما أعدوه من الأحكام لا من جهة التواتر ولا من جهة الآحاد وكونه موجودا فى بعض المصاحف لم يثبت أنه قرآن فمن أى وجه يدعون قيام الحجة به وقولهم أن القراءة الشاذة تنزل منزلة الخبر الواحد هذا دعوى ولا يعرف هذا وبأى دليل تنزل منزلة الخبر الواحد ونحن نعلم أنه لا نقل فى هذه القراءات لا من قبل التواتر ولا من قبل الآحاد ويقول أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أجمعوا فى زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه على هذا المصحف الذى يدعى الإمام وهو الذى بين أظهرنا وأطرحوا ما عداه وروى أنهم حرقوا الباقى وقيل أنه دفن وقد نقل اضطراب ابن مسعود فى ذلك غير أن الصحابة لم يلتفتوا إلى اضطرابه واتفقوا على ما.