فقد قالوا: أنه كذب عليه وإنما لقنهم ذلك ابن الروندى والدليل على ذلك أنه لو كان لهذا أصل صحيح لاحتج به أحبار اليهود على النبى صلى الله عليه وسلم ولو فعلوا ذلك لنقل عنهم ولاشتهر وعرفناه كما عرفنا سائر أمورهم فعلمنا من هذا أن هذا كذب صريح على موسى صلوات الله عليه.
واعلم أن الأصوليين قد ذكروا الخلاف فى هذا مع طائفة من اليهود وشرذمة من المسلمين ونسبه الشيخ أبو إسحاق الشيرازى رحمه الله فى كتابه إلى أبى مسلم محمد بن بحر الأصبهانى وهذا رجل معروف بالعلم وأن كان قد انتسب إلى المعتزلة وبعد عنهم وله كتاب كبير من التفسير وكتب كثيرة فلا أدرى كيف وقع هذا الخلاف منه ومن خالف فى هذا من أهل الإسلام فالكلام معه أن يريه وجود النسخ وذلك مثل نسخ ثبات الواحد للعشرة إلى ثباته بالاثنين ونسخ التوجه إلى بيت المقدس إلى التوجه إلى الكعبة ونسخ صوم عاشوراء برمضان إلى غير ذلك فإن لم يعرف مدة الأشياء كان هذا تعنتا أو ظنا ولزوم أن ترفع شريعة من قبلنا بشرعنا لا يكون نسخا أيضا وهذا لا يقوله مسلم وقد قال بعض الرافضة يجوز البداء على الله تعالى وهذا باطل لأنهم أن أرادوا إثبات ما قلناه أنه يظهر ما كان خافيا عنه فهو كقوله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وأن أرادوا تبديل العبادة والفروض فهذا لا ننكره وليس من البداء فى شىء.
ومما يتصل بهذه المسألة فصلان.
أحدهما: أنه يجوز النسخ وأن اقترن بالمنسوخ ذكر التأبيد وعند بعض المتكلمين لا يجوز النسخ إلا فى خطاب مطلق وأما إذا قيد فلا يجوز نسخه١ وزعموا أن ذلك لا يؤدى إلى البداء الذى ذكرناه وعندنا يجوز النسخ فى هذه الصورة أيضا ولا يكون البداء وقد ذكرنا طرفا منه فى المسألة الأولى.
ببينة: أنه إذا جاز أن يقال لازم غريمك أبدا ويريد إلى وقت القضاء جاز أن يقال فعل كذا أبدا ويراد إلى وقت النسخ يدل عليه أنه إذا جاز ذكر الكل والجميع فى الأعيان ولا يمنع ذلك التخصيص جاز أن يذكر أبدا فى الزمان ولا يمنع ذلك النسخ ولأنه إذا جاز أن يفيد الخطاب بالتأبيد ثم يكون معناه ما لم يعجز المخاطب عن الفعل لمرض وغيره جاز أن يفيد التأبيد ويكون معناه افعلوا أبدا ما لم أنسخه عنكم.
١ انظر إحاكم الأحكام للآمدي ٣/١٩٢ المحصول ١/٥٤٩ المعتمد ١/٣٨٢ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/٧٩, ٨٠.