دليل معقول ووجه ذلك أن قوله افعل طلب الفعل لا محالة وطلب الفعل لا محالة ايجاب وإنما قلنا أنه طلب الفعل لا محالة لان قوله افعل قضية الفعل بلا اشكال من غير أن يكون للترك فيه مشاع لان الترك نقيض الفعل والشيء لانقيض يقتضيه وكذلك لا تخيير فيه لان التخيير يأخذ طرفا من الترك فانه يخبر ليفعل أو يترك والأمر يقتضى الفعل بكل حال من غير أن يكون للترك فيه مشاع فلا يكون للتخيير فيه ايضا مشاع وإذا ثبت بطلان التخيير فيه والمندوب إليه على التخيير لانه وأن كان الفعل منه أولى فالترك فيه جائز من غير أن يكون فيه عيب على تاركه فبطل اقتضاء الندب ايضا على هذا الوجه وبقى ما قلنا أن الأمر لا يقتضى طلب الفعل لا محال إنما يقتضي مجرد إرادة المأمور وارادة المامور لا توجب الفعل قالوا: وهذا لانه لا فرق بين قول القائل لغيره افعل وبين قول القائل اريد منك أن تفعل وهذا ليس بصحيح بل الأمر يقتضى الفعل بكل حال على ما سبق وليس قوله افعل مثل قوله اريد أن تفعل لان قوله اريد منك أن تفعل اخبار بالارادة فحسب وليس بطلب الفعل منه وأما قوله افعل طلب الفعل صريحا فكيف يستويان وقد قال بعضهم في تقرير ما ذكرناه أن الأمر في اللغة لما كان موضوعا لطلب الفعل والفعل لا يحصل إلا بالوجوب لان الفعل إذا لم يكن واجبا لا يحصل لانه ترك فاقتضى الوجوب حتى يحصل فصار وجوبا بايجابه فأوجبناه ليوجد.
يدل عليه أن الائتمار من حكم الأمر كما أن الانكسار من حكم الكسر كما يقال كسر القنديل فانكسر وهدم الجدار فانهدم وأمر بكذا فائتمر وإذا كان الائتمار من حكم الأمر اقتضى حصول الائتمار كالكسر اقتضى حصول الانكسار إلا أن حصول الائتمار لما كان بفعل مختار اقتضى وجوب الفعل ليحصل الائتمار إلا ترى أنه لما لم يكن الائتمار بفعل مختار حصل الائتمار عقيب الأمر بلا واسطة كالانكسار عقيب الكسر قال الله تعالى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل: ٤٠] وقال تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} والجواب في هذا الدليل أن الائتمار لما كان حكم الأمر فاقتضى الأمر ثبوت الائتمار ضرورة ولا ائتمار إلا بالأيجاب ليوجد لا محالة فيثبت الوجوب ضرورة هذا الطريق وهذا دليل اورده أبو زيد وفيه تكليف شديد والذي ذكرناه من قبل احسن وقد استدل المتقدمون في هذه المسالة بأمر السيد عبده بفعل من الافعال ثم إذا خالف يجوز تاديبه وحسن منه ذلك عند العقلاء كافة.