للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيح أنه لا يجوز النسخ فى الأخبار بوجه ما لأنه يؤدى إلى دخول الكذب فى أخبار الله تعالى وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لا يجوز فإن قال قائل ما قولكم فى الأخبار الواردة فى الوعيد لمرتكبى الكبائر قلنا يجوز العفو عنها قالوا: فهذا نسخ قلنا هذا ليس بنسخ إنما هو من باب التكرم والعدول عن المتوعد بالفضل وقد يتكلم المتكلم بالوعيد وهو لا يريد إمضاءه ولا يعد ذلك خلفا بل يعد عفوا وكرما وقال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد حين تكلما فى هذا إنك رجل أعجمى القلب أن العرب تعد الانصراف عن الوعيد كرما والانصراف عن الوعد لؤما وأنشد:

وإنى إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعدى

وقال الأصمعى ما سمعت أعرابيا يقول: سبحان من إذا وعد وفى وإذا أوعد عفى وقال بعض أصحابنا أن وقوع العفو عن المذنبين مع أن الوعيد إنما جاء من ترتيب الخطاب بعضه على بعض فإن الله تعالى قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا} وقال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} [لأنفال: ١٦] إلى أمثال هذا وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: ٦] وقال فى موضع آخر: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ١١٦] وأمثال ذلك فكانت الآيات المتقدمة مرتبة على هذا والآيات المشتبه فيها مضمرة وإذا ورد الأمر بلفظ الخبر مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فنسخه جائز فى قول الأكثرين ومنع منه من أصحاب الشافعى أبو بكر الدقاق فعلق الحكم بالخبر على معنى الأمر وهذا فاسد لأن الأمر بلفظ الخبر يجرى على حكم الأمر من وجهين.

أحدهما: اختصاص الأمر بالإلزام والخبر بالإعلام.

والثانى: اختصاص الخبر بالماضى والأمر بالمستقبل فلما تعلق بما ورد من الأمر بلفظ الخبر حكم الأمر دون الخبر من هذين الوجهين كذلك حكم النسخ ولأنه أمر وضح نسخه كسائر الأوامر وما لا يجوز نسخه بالإجماع لأن الإجماع لا يكون إلا بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسخ لا يجوز بعد موته صلى الله عليه وسلم وكما لا يجوز الإجماع بنسخه فلا يكون ناسخا أيضا١ لأن الإجماع لما كان ينعقد بعد زمان النبى صلى الله عليه وسلم لم يتصور أن ينسخ ما.


١ انظر نهاية السول ٢/٥٨٩ إحكام الأحكام للآمدي ٣/٢٢٦, ٢٢٧ المعتمد ١/٤٠٠ روضة الناظر ٨٠ تيسير التحرير ٣/٢٠٧ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/٦٦ المحصول ١/٥٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>