للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا لا يمتنع نسخ الأخف بالأثقل كما لا يمتنع نسخ الأثقل بالأخف ومنهم من اعتبر فيه الأصلح وعلى هذا لا يمتنع أن يكون من المصلحة نسخه بالأخف تارة وبالأثقل أخرى وأما الشرع فنقول نسخ الأخف بالأثقل قد وحد في الشرع إلا ترى أن الله وضع القتال في أول الإسلام ثم نسخه بفرض القتال ونسخ الإمساك في الزنا بالجلد وصوم عاشورا بصوم رمضان لأن الأثقل يكون أكثر ثوابا على ما قاله عليه السلام لعائشة رضي الله عنها: "إنما أجرك على قدر تعبك" ١ فيكون نسخ الأخف با لأغلظ تعريض المكلف للثواب الكبير وهذا لا يمنع منه اشرع ولا عقل وأما قوله: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فمعنى ذلك نأت بما هو أنفع لكم وأعود عليكم وقد تكون الفائدة فيما هو الأثقل واستقام معنى الآية على هذا.

والضرب الرابع: أن ينسخ التخيير بين أمرين بانختام أحدهما كالذي في صدر الإسلام من التخيير في صيام رمضان بعد الفدية والصيام بقولة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: ١٨٤] الآية ثم نسخ التخيير بأنختام الصيام بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] وفي هذا دليل أيضا على جواز نسخ الأخف بالأغلظ لأن انختام الصوم أغلظ من التخيير.

والضرب الخامس: نسخ الوجوب بالإباحة والإباحة بالوجوب كنسخ تحريم الأكل والمباشرة بعد النوم في ليل الصيام بإباحته بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] وأما نسخ الإباحة بالوجوب كنسخ النهى عن القتال بإباحته ثم إباحته بوجوبه وقد نسخ الواجب إلى الندب مثل قيام الليل نسخ إيجابه إلى الندب.

والضرب السادس: أن يكون النسخ إلى غير بدل وهو جائز عند الجمهور ومنعت منه طائفة من أهل الظاهر٢ لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] والدليل على جواز ذلك السمع والمعقول أما السمع فلو جود ذلك.

ألا ترى أن نسخ إيجاب الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غير بدل ونسخ تحريم إدخار لحوم الأضاحي إلى غير بدل ومن حيث المعقول فلأنه أن كان بالمشيئة فيجوز أن يشاء نسخه إلى بدل ويجوز أن يشاء نسخه لا إلى بدل وأن كان الاعتبار.


١ أخرجه البخاري العمرة ٣/٧١٤ ح ١٧٨٧ ومسلم الحج ٢/٨٧٦ ح ١٢٦/١٢١١.
٢ انظر المحصول ٢/٥٤٦ المعتمد ١/٣٨٤ إحكام الأحكام للآمدي ٣/١٩٥ تيسير التحرير ٣/١٩٧ روضة الناظر ٧٥ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>