والوجه الثالث: أن ينعقد عن المناظرة والجدال كإجماعهم على قتال مانعي الزكاة وأن في المرهونة إذا أجهضت دية الجنين.
والوجه الرابع: أن ينعقد عن استدلال بقياس كإجماعهم على أن حد العبيد في الزنا كالأمة وأن الجواميس في الزكاة كالبقر.
والوجه الخامس: أن ينعقد عن استدلال باجتهاد كإجماعهم على جهة القبلة وقد ذكر غير هذا وعندي أن هذا تكلف شديد وإذا ذكرنا جواز الإجماع عن الاجتهاد دخل فيه وجوه الاجتهاد جليها وخفيها.
وإذا علمنا أن الإجماع ينعقد عن أحد هذه الوجود فاختلفوا أن الإجماع إذا انعقد يأخذ هذه الدلائل يكون منعقدا على الحكم الثابت بالدليل أو يكون منعقدا على الدليل الموجب للحكم وذهب بعض المتكلمين من الأشعرية إلى أنه منعقد على الدليل الموجب وذكر أكثر الفقهاء والمتكلمين إلى أنه معقد على الحكم المستخرج من الدليل وهو الصحيح لأن الحكم هو المطلوب من الدليل ولأجله انعقد الإجماع فعليه انعقد الإجماع ونبني على هذا مسألة وهي أن الإجماع الواقع على موجب خبر من الأخبار هل يكون دليلا على صحة الخبر فمنهم من قال يدل على ذلك إذا علم أنهم اجمعوا لأجله ومنهم من قال أن إجماعهم يدل على صحة الحكم ولا يدل على صحة الخبر وهذا أولى القولين لأنه يجوز أن يكونوا اتفقوا على العمل به لأن التعبد ثابت بخبر الواحد وهذا التعبد ثبت في حق الكافة ولأجل التعبد الثابت أجمعوا على موجب الخبر وصار الحكم مقطوعا به لأجل إجماعهم وأما صحة الخبر على طريق أنه يكون مقطوعا به فله طريق مخصوص في الشرع على ما قلنا في باب الأخبار فبطلت صحة الخبر وعدم صحته أو كونه خبرا واحدا أو خبر يقطع بثبوته ويوجب العلم بموجبه من ذلك الطريق فإن ظهر الإجماع ولم يعلم الدليل الذي انعقد به الإجماع فقد بينا أنه لا يجوز أن ينعقد إلا عن دليل فيكون انعقاده دليلا على أنه انعقد عن دليل موجب له إلا أنه استغنوا بالإجماع عن نقل الدليل واكتفوا به عنه وقد ذكرنا هذا من قبل والله أعلم بالصواب.