للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأدلتها وكل من ادعى في شئ من الأشياء حكما من إثبات أو نفي فعليه إقامة الدليل عليه بظاهر قوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: ٦٤] ثم الدليل على ما قلناه من جهة التحقيق هو أن النافى فيما نفاه لا يخلو من أحد الأمرين إما أن يدعى العلم بنفى ما نفاه أو لا يدعى العلم بانتفائه بل إنما يخبر عن جهله وشكه فإن كان يخبر عن جهله وشكه١ فالدليل عنه ساقط لأن أهل النظر قاطبة لا يوجبون على من يدعى الشك والجهل دليلا ولا يقال لمن جهل أو شك: لما جهلت أو شككت ولو رام المدعى لذلك إقامة دليل عليه لم يمكنه ذلك إن كان النافى يدعى العلم بصحة ما نفاه فقال: من أين علمت نفى ما نفيته باضطرار أو باستدلال؛ ولا يمكنه دعوى الضرورة لأنه لو كان ضرورة لشاركناه في ذلك وإن قال: بدليل علمت نفى ما نفيته سئل عن ذلك هل هو حجة عقل أو سمع؟ فإن قال: سمع قلنا له: بين ذلك فإن قال: بعقل قلنا له: بين ذلك فدل أنه لابد من دليل يقيمه واعلم أنه لا خلاص لهم من هذه المطالبة إلا بدعوى علم الضرورة وهذا باطل أو بدعوى جهله بانتفاء ما نفاه فتزول عنه المطالبة أيضا لأنه لا مطالبة على الجهلة فأما تمنى زوال الحجة مع دعوى وجود العلم بانتفاء المنتفى غير متصور قال أبو زيد: قول القائل لا دليل لا يكون دليلا كما أن قوله لا حجة ولا يكون حجة مثل قول الإنسان لا زيد ولا عمرو ولا يكون زيد ولا عمرو فصار المتمسك بالنفى متمسكا بعدم الدليل وعدم الدليل لا يكون دليلا يدل عليه إن دعوى خصه أنه وجد الدليل يعارض قوله إنه عدم الدليل فلا يكون قوله حجة على خصمه كما لا يكون قول خصمه حجة عليه قالوا إن النافى متمسك بالعدم والعدم غير محتاج إلى الدليل فإن الشئ الذي هو مدلول يحتاج له إلى الدليل فأما العدم فليس بشئ فلا يحتاج إلى الدليل وهذا السؤال يفسد بما قلناه من قبل وهو أن النافى يدعى العلم بانتفاء الشئ ودعوى العلم بانتفاء الشئ لا يجوز إلا أن يكون عن دليل نعم دعوى الجهل لا يحتاج إلى الدليل فأما دعوى العلم فلا يستغنى عن الدليل بحال وأما دليلهم قلنا: إن لا دل فهو خارج على ما قلنا لأنا لا نقول إن المدعى عليه إذا ادعى أنه لا شئ عليه أنه ينتفى عنه الحق بإنكاره ونفيه. بل نقول: لا دليل على ثبوت الحق عليه فلا يحكم بالثبوت ومعنى قولنا: إن القول قوله هو أنه لا يقبل دعوى المدعى


١ ثبت في الأصل "وشكله".

<<  <  ج: ص:  >  >>