بمجرد العقل بحال. وقال تعالى:{أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}[المائدة: ١٩] ونحن نعلم قطعا أن الكفار كانت لهم عقول ولهذا توجه التكليف عليهم فلو كانت الحجة توجهت عليهم بعقولهم لم يكن لهذه الآيات معنى أصلا فإن قالوا: ورد الشرع بما ورد به مؤيدا لما في العقل وذلك لأن العقل لايدل على من آمن وجبت له الجنة خالدا مخلدا أبدا ولا يدل أن من كفر وجبت له النار خالدا مخلدا فإن هذا مما لا يهتدى إليه العقل وإذا كان الوعد والوعيد على هذا الوجه ثبت بالسمع فلهذا في هذه الآيات التي ذكرتم أضاف ما أضاف إلى السمع وإلى ما أراد به الرسل.
والجواب: أنه ليس فيما قلت انفصال عمن ذكرناه لأن الله تعالى بين أن الحجة لا تتوجه إلا بالرسل وبين أن التوبيخ لحقهم في النار لبعث الرسل وبين أن عذرهم انقطع بالرسل وهذا في قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ}[المائدة: ١٩] وعندهم أن الحجة متوجهة في الإيمان بالله بمجرد العقل والتوبيخ لاحق إياهم بغير رسول والعذر منقطع بغير نذير ولا بشير وأما الآيات اللاتى ذكروها فنحن نقول: إن العقل آلة التمييز وبه تدرك الأشياء ويتوصل إلى الحجج وإنما الكلام في أنه بداية هل يستقل بإيجاب حله وتحريمه وأما قولهم: إنه لا يجوز في الحكمة خلق الإنسان تكميل عقله وتركه سدى وعندنا أن عدم جواز هذا لا يعرف بالعقل أيضا ثم نقول ومن يوافقكم أن الإنسان إذا خلقه الله تعالى وركب فيه العقل فإذا لم يلزمه الاستدلال به تركناه سدى وعطلنا فائدة العقل فإن الله تعالى إنما أعطاه العقل ليستدل به في الأمر والنهى إذا خوطب يميز به بين الحسن والقبيح إذا ورد بالسمع بهما فإذا كان كذلك فلم يخلق سدى لأن السمع قد ورد بالتكليف وإدراك ذلك بالعقل فقد وصلت فائدته وثمرته فبطل ما قالوه فإن قيل لو كان الاستدلال على التوحيد لا يجب بمجرد العقل لكان يجوز ورود الشرع بإسقاطه وإباحة الكفر وإيجابه وحين لم يجز هذا عرفنا أن الوجوب كان بالعقل قيل له: قد وردالشرع بإباحة الفاظ عند الضرر إذا قالها الإنسان باختيار منه يكون كفرا ألا ترى أنه إذا كان مكرها فإنه يرخص له في أنه يقولها إذا كان لا يعتقدها بقلبه ولا يكون قوله ذلك كفرا. وكذلك يرد مثل هذا في الأفعال وذلك مثل السجود للصنم وعباده الشمس والقمر وغير ذلك فإنه إذا فعل هذه الأشياء تقية من عقوبة الكفار وكان مع ذلك مطمئن بالإيمان لم يكفر فإن قيل: إنما يلزمكم