للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووراءه أصلح منه وما هو لطف يوصله إليهم إلا ووراءه ما هو ألطف منه ولو وجب فعل ما هو صلاح لهم لوجب فعل ما هو أصلح لهم وقد عرفنا أن الأصلح ليس له نهاية في قدرة الله تعالى وعلمه وإن حكموا بنفاده وانتهائه فهذا قول يؤدى إلا تناهي القدرة وهذا لا يقول به أحد. ثم نقول كما أنه يحرم ما يحرمه للمصلحة فكذلك يبيح ما يبيحه للمصلحة فبأى طريق عرفتم وجه المصلحة في الإباحة؟ بل يجوز أن يكون مفسدة على ما سبق وينبغى إذا كانت الإباحة عقلية أن لا يجوز ورود الحظر وقد أجمعت الأمة على جواز الحظر وأجمعوا أيضا أنه قد [ورد] ١ الحظر في مواضع ليس فيه إلا مجرد التكليف أو مجرد الابتلاء وأيضا فإن ما ذهبتم إليه مفسدة وسنبين ذلك وهو أن الأشياء لو كان أصلها على الإباحة حتى يكون لكل واحد من الناس تناولها والتبسط فيها أدى ذلك إلى أن لا يصلوا إلى حاجتهم منها وإلى أن تتعطل منافعهم لأن في طباع الناس من الحرص والشدة والاستكبار من الشئ ما لا يخفى على ذى لب فيدعوهم طباعهم إلى الازدياد والاستكبار عن كل شئ أبيح لهم فيقع بينهم التزاحم والتغالب وربما يؤدى إلى التجاذب المفضى إلى التنازع والمؤدى إلى القتال والمحاربة فينقلب الشئ الذي قدروها مصلحة مفسدة ويتبين خطأ ظنونهم وغلط مقاديرهم من عقولهم وليس يدخل في هذا إباحة الحطب عقولهم والحشيش والماء لأن هذه الأشياء ليست مما يقع فيها التنافس ولا تميل إليها الطباع من الاستكبار عنها وطلب الثروة من جمعها وأما المباحات من الذهب والفضة والجواهر فهى ما لا يوصل إليها بكد عظيم وتعب شديد فليس مما يرغب في ذلك كل إنسان ويسمح بتعب ذلك وتحمله كل نفس فلا يؤدى إثبات الإباحة لكل أحد إلى المفسدة التي بيناها وأما إثبات الإباحة في الأشياء كلها على العموم لكل احد فيؤدى إلى المفسدة التي ذكرناها. فوجب الاحتراز عليها لأن الاحتراز عن كل ما يجوز أن يفضى إلى المفسدة واجب على أصلهم وفيما قالوه يؤدى إلى المفسدة فهذه جملة ما قصدنا إيراده في هذه المسألة.


١ ثبت بالأصل: ورود ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>