للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت لهم أن الأسى يبعث الأسى ... دعونى فهذا كله قبر مالك

فهذا أعرابى من بنى يربوع لا يعرف مذاهب الفقهاء في القياس ولا طريقهم في الاعتبار وإنما جرى ذلك على حكم أرشده إليه عقله وسجية هداه اليها طبعه حين رأى الشبه بين الكل في معنى واحد وأمثال هذا تكثر فثبت أن الأمر في العقول الصحيحة على ما قلناه من أن كل مشتبهين فحكمهما من حيث اشتبها واحد وصح أن المعانى أدلة وأنها متى وجدت متفقة أو حيث اتفاق الحكم ومهما كانت مختلفة أوجبت اختلافه.

ببينة: أنه إذا كان النظام ومن تبعه يتبعون أدلة العقل في العقليات وبه يستدلون على إثبات الصانع وعلى حدث العالم إلى سائر ما هو معروف فوجب ألا يمتنعوا من ذلك في أحكام الشرع وفى فروع السمعيات فإنه إذا استقل شئ بأعظم الأمرين كان قمنا١ أن يستقل بأيسرها وإذا جاز أن يتعبدنا الله به في أصول الدين جاز أن يتعبدنا ويجعله دليلا في فروعه. فإن قيل: القياس في العقليات لا يتغير ولا يوجد فيه التفريق بين المشتبهات وقد وجد ذلك في السمعيات على ما سبق بيانه.

والجواب: أن الأصول التي يقع إليها رد الفروع في الشرعيات لا يتغير أيضا لأن الله تعالى قد أكمل الدين وبين الناسخ والمنسوخ واستقرت الشرعية قرارها فالسمعى والعقلى فيما تنازعنا فيه بمثابة واحدة وأما التفريق بين المشتبهات فغير جائز عندنا أن يقع التفريق بينهما من الوجه الذي يتعلق به الحكم فيهما وإن جاز أن يقع ذلك من سائر الوجوه وإنما المعتبر في الجمع والفرق على النكتة التي هي مناط الحكم ورباطه دون ما سواه وأما المسائل التي ذكروها من التفريق الموجود بين المشتبهين فالنص فرق بين المنى والبول والحيض والاستحاضة والحرة والأمة وقد يمكن أن يوجد معنى الوفاق بين المنى والبول من وجه وموضع الخلاف من وجه وذلك أن المنى والبول من حيث كانا خارجين من مخرج واحد جاءت الشريعة فيهما بإيجاب الطهارة فوجب التسوية بينهما في نوع الواجب ولم يقع التفريق بينهما في أن يجعل في أحدهما الطهارة بالماء وفي الآخر الطهارة [بالماء] ٢ وأما موضع الافتراق فهو أن أحدهما وهوالبول من حيث كان يكثر خروجه من بدن الإنسان وتدوم البلوى والمحنة فيه ورد


١ أي: جدير انظر القاموس المحيط "٤/٢٦١".
٢ هكذا في الأصل ولعل الصواب "بالتراب".

<<  <  ج: ص:  >  >>