للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم: إن حجج الله تعالى تكون موجبة قطعا. قلنا: هذا الأصل غير مسلم في العمليات فإن الواحد حجة في العمل وهو حجة من حجج الله تعالى من حيث العمل به وإن لم يكن مقتضيا موجبه على وجه القطع والثبات ولا فرق بين الخبر والعلة لأنه كما يحتمل تعليل المعلل للغلط كذلك الرواية تحتمل الغلط وأما قولهم: إنه ما من فرع إلا ويشبه أصلين مختلفين. قلنا: هذا ممنوع ومن أين قلتم إن كل فرع يشبه أصلين متضادى الحكم. ثم ولئن سلمنا أنه يوجد الفرع الذي له شبه بأصلين متضادى الحكم لكن الله تعالى قد جعل لنا طريقا إلى قوة شبهه بأحد الأصلين فينبغى أن يراجع المجتهد النظر أو يبالغ في النظر ابتداء حتى يظهر له ذلك وقد قال بعض القياسين: إنه يجوز أن يكون حكم الله في الفرع هو التخيير فإذا اعتدل الشبهات عند المجتهد فيكون المجتهد مخيرا يلحقه باى الأصلين شاء فأما كلامهم الأخير. قلنا: نحن إنما نجوز المصير إلى الاجتهاد بعد طلب الحكم في الكتاب والسنة فإذا أعوزه ذلك حينئذ يصير إلى القياس والذى قالوا: إن حصر أحكام الحوادث على معاني النصوص يتضمن الاستحثاث على الإكثار من الأخبار والفكر في معانيها وفى ذلك إماته البدع وإسقاط الهوى.

قلنا: نحن إنما نأمره أولا بطلب أحكام الحوادث في النصوص فإذا لم يجد فيها حينئذ ينتقل إلى المعنى وعلى أنا قدمنا أن في الأمر بطلب المعانى [انشراح] ١ الصدر وانفساحه وطمأنينة القلب وإصابة زيادة النور الداخل عليه من قبول أحكام الله تعالى على طمأنينة القلب مع قبوله على الطوع والانقياد وقد أبتلى الله تعالى عباده بطلب المعانى مرة لتنشرح صدورهم وتضىء قلوبهم ويتجرد القبول والاستسلام مرة ليظهر عطاؤهم المقادة واستسلامهم لأمر خالقهم وبارئهم فيستعمل عقله مرة بطلب المعنى ليظهر له قدر نعمة الله تعالى بما أعطاه من النفاذ في الأمور ومعرفة الله وحكم الله ومعانيه الغامضة التي هى أمارات أحكامه وشرعه فيقابلها بالشكر وينقاد ويستسلم مرة ويحبس عقله من توثبة على الأمور ويصرفه عن عتوه وتجاوزه عن حده المحدود له ليظهر حسن عبوديته وخضوعه وانقياده لمعبوده وهذا باب عظيم وحكمة بالغة وتصريف من الرب للعباد وابتلاء منه لهم ليظهر خفى أمرهم ومكنون سرهم ويتميز الخبيث من الطيب فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة والله


١ ثبت في الأصل: "أشراح".

<<  <  ج: ص:  >  >>