يدخل في هذا القسم الزكاة ومقادير الأنصبة والأوقاص وقد قيل أيضا: إنه لا محال القياس في الأحداث وتفاصيلها والوضوء وتفاصيله بل يتبع محض النص وقد قيل: إن الوضوء معقول المعنى فإنه مشعر بالتنظيف والتنقية وقيل إن الصلاة يعقل منها الخشوع والاستكانة والابتهال للمعبود وأما الشهادة فقد قالوا: أصلها معقول المعنى وهو الثقة وحصول غلبة الظن والمقصود من مزيد العدد زيادة الثقة ومما يعقل في الشهادة أيضا أن شهادة النساء لا تقبل لما غلب عليه من الذهول والغفلة ونقصان العقل فأصول هذه المعانى معلومة ولكن لا سبيل إلى طرد التعليل في التفصيلات وأما أصل عقود المعاملات معقولة المعنى إلا أن الشرع أثبت فيها أنواعا من التعبدات يلزم اتباعها ولا يجوز تجاوزها وتعديها ولهذا تقول من اشترى شاة من قطيع من الغنم على أنه بالخيار يأخذ أيها شاء والبائع بالخيار يعطى أيها شاء لا يجوز١ وإن كنا لا نعقل فيه معنى فاسد وبهذا يتبين أن المعنى الذى اعتمده أصحاب أبى حنيفة في أن الجهالة إنما تفسد العقل لأنها مؤدية إلى المنازعة باطل فإن هذه الجهالة لا تؤدى إلى هذا ومع هذا لم يجز العقد وكذلك إذا قال: بعتك عبدى بما باع به فلان أمس وكانا جاهلين بمبلغ الثمن فإنه يكون باطلا كذلك إذا قال: بعتك هذا الثوب بزنة هذه السنجة أشار إلى سنجة مجهولة القدر بطل البيع ولا منازعة في مثل هذا العقد وللشارع تعبدات يلزم اتباعها في المعاملات كما يلزم في العبادات فلا تسقط تلك التعبدات بإسقاط العباد ذلك فإن كانت المعاملات أصلها جاريا في حقوق العباد لأن المعاملات وإن كانت من حقوق العباد لكن يلزمهم اتباع الأوامر فيها لأن الله تعالى أعلم بمصالحهم لأن أوامره كلها من حدود الدين ولا يجوز الإخلال بها بوجه ما وأن وجدت الأوامر والتكليفات صارت حدود الدين وكانت متبعة لا يجوز تركها ومن جنس ما ذكرنا التذكية فإن الذبح معقول المعنى لما فيه من تطيب اللحم وإزالة الخبيث من الطيب ورفع الخبث من المحل ثم اختص بذابح مخصوص ومحل مخصوص تعبدا وكذا التضحية اختصت بأجناس مخصوصة ووقت مخصوص والتفريعات على ما قلناه في المسائل تكثر وقد ذكر الأصحاب أمثلتها في الخلافيات وربما يأتى بعض ذلك من بعد وأما المسائل التي وعدنا ذكرها فنبتدى بمسألة العلة إذا كانت غير متعدية.