ترى أن الأشياء الستة لما عللت لم يكن بد من ثبوت الطعم عندنا والكيل عندكم في الأصل. ثم تعدية كل واحد على اختلاف المذهبين في الفروع وأقل ما في العلل أنها أمارات على الأحكام فإذا علل الأصل فلابد أن يصير أمارة عليه ثم يتعدى فيصير أمارة على الأحكام في الفروع وإذا ثبت أن الوجود لابد منه في الأصل فنقول بعد هذا يجوز أن يقال: على ما زعموا ويجوز أن يقال: إن الحكم في الأصل يثبت بالنص للمعنى الذى تناوله التعليل وتصير العلة كالمنصوص عليها وقد ورد النص في مواضع دالا على الحكم مع ذكر المعنى فأما في الفرع يكون ثبوته بمحض المعنى وهذا جائز وروده مستقيم وجهه.
وأما في مسألة إزالة النجاسة فعندنا إنما يعلل التعليل في تلك المسألة لأنا بينا أنه لابد من وجود العلة في الأصل: ثم التعدية وإذا عللنا للطهارة بالأدلة فلا شك أن طهارة الحدث تناولها النص ولم يوجد فيها الإزالة لأنه لا شئ يزال فبطل التعليل بالإزالة وإذا بطل لم يقبل التعدية وقد ذكر بعض أصحابنا فصلا في هذه المسألة أعنى مسألة النجاسة وأودعه أصول الفقه الذى صنفه. فقال: الذي ذهب إليه جماهير العلماء مع التزام القياس والقول به أن طهارة الحدث ليست بمعقولة المعنى. وذهب أبو حنيفه ومتبعوه إلى أن إزالة النجاسة معقولة المعنى١. وبنوا على هذا الفرق بين طهارة الحدث إذا تعين الماء لها وبين إزالة النجاسة فإن الغرض منها رفع عينها واستئصال أثرها فإذا رفع ذلك بأى مائع كان وقع موقعه قال واضطرب متبعوا الشافعى في ذلك فمذهب المتأخرين إلى أن طهارة الحدث مقعولة المعنى والغرض منها النظافة والتنقى عن الأدران والأوساخ وأوضحوا ذلك بتخييل يبتدره من يكتفى بظواهر الأمور فقالوا الأعضاء الظاهرة وهى الوجه واليدان إلى المرفقين والقدمان وبعض الساق في المهن والتصرفات تبدو وتظهر ويصادفها الغبرات وغيرها فورود الشرع بغسل هذه الأعضاء في مظان مخصوصة ومواقيت معلومة ومحاسن الشريعة تؤل في نهاياتها إلى أمثال ذلك والرأس مستورا بالعمامة غالبا وقد تبدو الناصية والمقاديم من المستروح إلى تحتية عمامته إلى هامته فلما كان ذلك أبعد اكتفى بالمسح فيه وعضد هؤلاء ما ذكروه بقوله تعالى: في سياق آية الوضوء {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}[المائدة: ٦] ولا مسلك في نصب المظنونات إلى إثبات العلل أوقع وانجع من إيماء الشارع إلى