أما غير القائلين بالتكرار فقد اختلفوا في دلالته على الفور أو غيره على أربعة مذاهب: الأول: وهو المختار عند جمهور الحنفية والشافعية وغيرهم لا يدل على الفور ولا على التراخي وإنما يفيد طلب الفعل فقط وايهما حصل كان مجزيا. واستدلوا على ذلك بما يأتي: أن الأمر المطلق ورد استعماله في الفور كما في قوله تعالى: {وآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وورد استعماله في التراخي كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" ويلزم من هذا أن يكون حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو طلب الفعل من غير تعرض لوقت من فور أو تراخي والإلزام الاشتراك اللفظي إن قلنا أنه موضوع لكل منهما أو المجاز وإن قلنا أنه موضوع لأحدهما وهو حقيقة فيه مجاز في الآخر وهما خلاف الأصل "العدول من الأصل إلى خلافه ممنوع". الثاني: أنه يعمل على الفور فلو أخر المكلف عصى بالتأخير وإليه ذهب الحنفية واستدلوا لذلك لما يأتي: أولا: إن الله تعالى ذم إبليس عليه اللعنة على ترك السجود لآدم عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} فلو لم يكن الأم رللفور لما استحق الذم ولكان لإبليس أن يقول إنك ما أوجبته على الفور "أي على التأخير ولكن كونه ذم دل على الفور" ففيم الذم. وأجيب بأن ذلك الأمر الوارد وهو قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} وفيه قرينتان تدلان على الفور إحداهما: الفاء وهي في اللغة للتعقيب والثانية وهو فعل الأمر وهو قوله تعالى: {فَقَعُوا لَهُ} حيث وقع جوابا لإذا وهي طرف والعامل فيهما جوابهما على رأي البصريين فيكون التقدير حينئذ "فقعوا له ساجدين وقت تسويتي إياه" "الدلالة على الفور ليس من ذات صيغة الأمر بل من القرائن". ثالثا: قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالمسارعة إلى المغفرة والمراد أسبابها اتفاقا والمسارعة هي التعجيل بفعل المأمورات فيكون التعجيل مأمورا به وقت ثبت أن الأمر للوجوب فتكون المسارعة واجبة ولا معنى للفور إلا هذا "أسباب المغفرة........=