والمعاملات ثم تلك الأصول لها فروع وتلك الفروع تتجاذبها أشباه وإذا كانت المعانى تعدد في الأصول فكيف يسهل وجودها في الفروع فلم يكن بد في استعمال القياس لكن مع الحيد عن طريقة الطرد لأن غلبة الظنون لابد منها ولا ضرورة في استعمال مجرد الطرد الذى لا يفيد ظنا أصلا فجعلنا غلبة الأشباه والقياس المنصوب في هذه الجهة مع وجود ما يقرب في الظن إلحاق الفرع بذلك الأصل وجعله في مسلكه وضمنه إلى مسلكه حجة ثم ظهور الفرق يكون محصلة واحدة وهو عسر الفرق على الفارق بين الوضوء والتيمم وزكاة الرأس وصدقة الماشية وصدقة النبات وكذلك الفرق بين القصاص في الطرف والقصاص في النفس ويعضد هذا الكلام بالأصل المعهود وهو أن الأقيسة الشرعية أمارات وعلامات وليس بموجبات وفى الأمارات والعلامات من سهولة المأخذ ما لا يوجد في الموجبات.
والقول الجامع: إن التأثير لابد منه إلا أن التأثير قد يكون بمعنى وقد يكون بحكم وقد يكون بغلبة شبه فإنه رب شبه أقوى من شبه آخر وأولى بتعليق الحكم به لقوة أمارته والشبه قد يعارضه شبه آخر فربما يظهر فضل قوة أحدهما على الآخر وربما يخفى ويجوز أن ترجع الشبهات إلى أصل واحد ويجوز أن ترجع إلى أصلين فلا بد من قوة نظر المجتهد في هذه المواضع وهذا كالعبد يشبه الحر من حيث إنه آدمى مكلف ويشبه الأموال والسلع من حيث إنه مال مملوك والجص يشبه البر من حيث إنه مكيل ويفارقه من حيث إنه ليس بمأكول وعلى عكس ذلك الرمان والسفرجل يشبه البر من حيث إنه مأكول ويفارقه من حيث إنه ليس بمكيل وكذلك الذرة وما يشبه ذلك.
وقد قال القاضى أبو حامد المروروزي في أصوله: إنا لا نعني بقياس الشبه أن يشبه الشئ بالشئ بوجه أو أكثر من وجه لكن نعنى أن لا يوجد شئ أشبه به منه ومثال هذا لا يوجد شئ أشبه من الوضوء بالتيمم وكذلك في الزكاة والزكاة وكذلك القصاص في الطرف والنفس فإنه لا يوجد شئ أشبه من القصاص في الطرف بالقصاص في النفس أو على عكس هذا لأن إلحاق الشئ بنظائره وإدخاله في مسلكه أصل عظيم فإذا لم يوجد شئ أشبه به منه لم يكن بد من إلحاقه به وهذا الذى قاله القاضى أبو حامد تقريب حسن وهو عائد إلى ما ذكرناه.
واعلم أن هذا الذى ذكرناه نهاية ما يمكن إيراده في كون قياس الشبه حجة والذى ذكروه في نفى قياس الشبه كلمات مخيلة والأولى أن يقال: إن من يتحرى طلب الحق