نعلم قطعا أن الشرائع لفوائد وحكم لكن لا نقول إنها معللة بها وهذا كالعبادات لا تعلل بعلى الثواب فإن كانت واجبة لفوائد الثواب والأنكحة لا تعلل بعلة حصول النسل في العالم وإن كانت مشروعة لفائدة النسل وكذلك الحدود واجبه لفائدة الزجر الحاصل بها ولا تعلل بها والقصاص من جملة ذلك. قال:
والضرب الثاني: ما يتعلق به الحاجة العامة ولا ينتهى إلى حد الضرورة وهذا مثل الإجازة فإنها مبنية على مسيس الحاجة إلى المساكين مع قصور اليد عن تملكها وفي نماكها ببدل على سبيل العارية فهذه حاجة ظاهرة غير بالغة مبلغ الضرورة ولكن حاجة الجنس قد تبلغ ضرورة الشخص الواحد من جهة أن الكافة لو منعوا عن ما يظهر الحاجة فيه للجنس لنال آحاد الجنس ضرر لا محالة تبلغ مبلغ الضرورة في حق الواحد وقد يزيد أثر ذلك في الضرر الراجع إلى الجنس على ما ينال الآحاد بالنسبة إلى الجنس وعندي أن المنافع أموال وقد قام الدليل على ذلك فالإجازة فيها كالبيع في الأعيان وقد بينا ذلك في خلافيات الفروع. قال:
والضرب الثالث: مما لا يتعلق بضرورة حاققة ولا حاجة عامة ولكنه قد يلوح منه غرض في جلب مكرمة أو نفي ينقص بها ويجوز أن يلتحق بهذا الجنس طهارة الحدث وإزالة الخبث وإن أجبنا عبرنا عن هذا فقلنا: مما لاح ووضح الندب إليه تصريحا كالتنظيف فإذا ارتبط الرابط أصلا كلياته تلويحا كان ذلك في الدرجة الآخرة والرتبة الثانية البعيدة في القياس وجرى وضع التلويح منه مع الامتناع عن التصريح مع حمل المكلفين على مضمونه مع الاعتضاد بالدواعي الجلية كما سبق تقرير هذا في المسالك السابقة والصور الممثلة المخيلة وهذه العبارات كلها تكلف صعب وحمل الطبع على ما بالمرء غنية عنه ولا أرى وراءها كثير معنى والطهارات كلها تعبدات وإن عللنا بالتنظيف فينبغي أن يكون على الندب لا على الإيجاب وأما عامة العبادات وتوابعها تكليفات لا يعقل معناها إلا القيام بالعبادة المحضة لله تعالى. قال:
والضرب الرابع: ما لا يستند إلى حاجة وضرورة وتحصيل المقصود فيه مندوب إليه تصريحا ابتداء وفي المسلك الثابت في تحصيله الخروج عن قياس كلي وبهذه المرتبة يتميز هذا الضرب عن الضرب الثالث وبيان ذلك بالمثال أن الغرض في الكتابة تحصيل العتق وهو مندوب إليه والكتاب المنتهضة سببا في تحصيل العتق يتضمن أمورا خارجه عن الأقيسة الكلية كمعاملة السيد عبده وكمقابلة ملكه بملكه والطهارات قصاراها إثبات.