التخفيف وقد يأتى فساد الوضع أيضا من وجه آخر وهو أن يتقدم حكم الفرع على حكم الأصل ومثاله الوضوء إذا قيس على التيمم في اشتراط النية وذلك أن الوضوء وجب بمكة والتيمم بعد الهجرة فلا يجوز أن يكون شرط ما يقدم وجوبه مستفادا مما تأخر وجوبه لأن الدليل لا يجوز تأخره عن المدلول عليه وكذلك في مسألة الأصل إذا قاسوا الثمن على المبيع فهو فاسد وضعا لأن البيع شرع في المبيع لإيجاب الملك شرط لا ابتداء وفى الثمن لإيجاب الملك ابتداء في الذمة على المشترى للبائع فلما كان البيع لإيجاب الملك واليد في العين للمشترى كان شرطه قيام الملك في المحل.
قال أبو زيد: فساد الوضع من الشهادة يجرى مجرى فساد الأداء وهو قبل النقص لأنه إنما يشتغل باطراده بعد صحته علة كالشهادة إنما يشتغل بتعديل الشهادة بعد صحة الأداء وهو أقوى من النقص لأن الوضع إذا فسد لم يبق إلا الانتقال والنقص مجلس يمكن الاحتراز منه في مجلس آخر.
قال: وبيان فساد الوضع أن الشافعي متى علل لوجوب الفرقة بعد إسلام أحد الزوجين أنها فرقة وجب لاختلاف الدين فأشبه الفرقة بالردة كان فاسد الوضع لأن الاختلاف إنما يثبت فيما نحن فيه بإسلام المسلم منهما وقد كان الاتفاق ثابتا قبله وإنما حدث الاختلاف بالحادث من الدين وهو الإسلام والإسلام في الشرع جعل عاصما للأملاك والحقوق لا مبطلا وكان الوصف ثابتا على الحكم
قال وكذلك الطعم إذا جعل علة لأنه به القوام فهذا فاسد في الوضع لأن المال خلق بذله لحاجته إليه وأشد الحاجات حاجة البقاء فيزيد هذا على ابتذاله وسعة وجه كسبه لا أن يزيد تضييعا حتى أكل طعام الغنيمة قبل أن يخمس بخلاف سائر الأموال. قال: وكذلك من علل لحرمة نكاح الأمه بوجود طول الحرة فإنه مستغن عن تعريض خبر منه للرق فلا تحل له كما لو كان تحته حرة قال وهذا يفسد وضعا لأنه يثبت حجرا عن النكاح نسب الحرية والشرع جعل الحرية مؤثرة في الإطلاق دون الحجر وكذلك اعتبار الحجر عن تسليم الثمن بالعجز عن تسليم المبيع في ثبوت حق الفسخ فإن البيع شرع لنقل الملك في العين واليد للبائع ليعمل العقد عليه فلم يصح العقد قبل أن يقدم ملكا ويدا ولما كان الشراء لإيجاب الثمن ابتداء في ذمة المشترى لا في عين اشتراط في صحته قيام ذمة قابلة لثمن يجب فيها بحيث يقبل النقص بمثلها من غير بشرط القدرة على التسليم بالمثل لأنه لا قدرة إلا بملكه ولم يشترط للجواز قيام