للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكيل١ وتعليل من علل بالقوت٢ وليس واحد من هؤلاء من يعلله بجميع هذه العلل فوجب القول بتنافى هذه العلل فمن علل في القليل من البر بأنه مطعوم جنس فأشبه الكثير فإذا رد الخصم: وقال: المعنى في الكثير أنه مكيل جنس فلا يمكن للمعلل أن يقول بالمعنيين جميعا كما ذكرنا فلابد من بيان الترجيح وبيان التأثير لإحدى العلتين دون الأخرى حتى تصح العلة المؤثرة وتبطل الأخرى.

واعلم: أن بعض الجدليين ذهب إلى أن المعارضة غير مقبولة من السائل لأنه ينتهض مستدلا والذى يقتضيه رسم الجدل أن يحصر السائل كلامه كله في الاعتراض المحض يدل عليه أن العلة لا تكون مخيلة صحيحة ألا بعد إقامة الدليل على صحتها وإذا انتصب السائل لذلك تصور بصورة البانيين المبتدئين لا بصورة الهادمين المعترضيين وهذا فصل تعلق به طائفة من الجدليين وهو باطل عند ذوى التحقيق من جهة أن المعارضة اعتراض وإنما قلنا إنه اعتراض لأن العلة التي يتمسك بها المجيب لا تكون حجة ما لم يسلم عن المعارضة فإن المعارضة توجب وقوف الحجة بدليل البينات وبدليل أن القرآن إنما صار حجة عند سلامته من المعارضة وإذا ثبت أن المعارضة تمنع ثبوت الحجة وكان إيراد المعارضة اعتراضا صحيحا لأن الدليلين إذا تعارضا في محل واحد بحكمين مختلفين فلا يكون أحد الحكمين أولى من صاحبه وأيضا فإنه إنما يعتمد في القياس قوة الظن وإذا تعارض الدليلان ولم يظهر ترجيح يفوت قوة الظن لأن الظن إذا قابله مثله يقع بينهما التعارض تفوت الحجة من كل واحد منهما حتى يترجح أحد الظنين على صاحبه فيصير القوة له على الآخر ويكون الحكم له.

فإن قال: قائل إن السائل وأن قصد الاعتراض ولكنه قد أتى بصورة الدليل المبتدأ فيكون ممنوعا من ذلك.

قلنا: صورة الأدلة ما امتنعت من السائلين من حيث إنها تسمى أدلة وإنما امتنعت إذا كان السائل مضربا عن قصد الاعتراض آتيا بكلام مبتدإ لا معترضا وقد بينا أن بهذه المعارضة معترض.

ببينة: أنه لما سمع منه اعتراض لا يستقل في نوعه كلاما مفيدا فإذا كان يستقل في


١ هو قول النخعي والزهري والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وإحدى الروايات عن أحمد انظر المغنى "٤/١٢٥".
٢ وهو قول مالك انظر المغنى "٤/١٢٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>