ورونقها ويذهب طراوتها وبهاؤها وينسكب ماؤها ثم مع ذلك يختلف ما يرونه من الاستصلاح والاستصوابات بالمكان والزمان وأصناف الخلق فتختلف أحكام الله تعالى نهاية الاختلاف ويكون حكم الله تعالى اليوم خلاف ما كان عليه أمس وحكم الإنسان خلاف حكم جاره وشريكه وهذا أمر يخالف ما عهد عليه قوانين الشرع وما درج عليه الأولون من هذه الأمة وما أرى القول به إلى مثل هذا فهو باطل وهذا لأن ما لا أصل في الشرع فهو في نفسه ما لا أصل له وأيضا يقولون إن معاذا رضى الله عنه لم يذكر إلا الكتاب والسنة والقياس فدل أن ما سوى ذلك باطل وأما دليل مثبتى الاستدلال هو أنا نعلم قطعا أنه لا يجوز أن يخلو حادث عن حكم الله تعالى منسوب إلى شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ببينة: أنه لم يرو عن السلف الماضين أنهم أغروا وأخلوا واقعة عن بيان حكم فيها لله تعالى وتقدس ونحن نعلم كثرة الفتاوى وازدحام الأحكام الأحكام وقد استرسلوا في بث الأحكام استرسال واثق بانبساطها على جميع الوقائع وقد قصدوا لإثباتها فيما وقع وتشوفوا في إثباتها فيما سيقع ولا يخفى على منصف أنهم ما كانوا يفتون فتوى من تقسيم الوقائع عنده إلى ما يغري عن حكم وإلى ما لا يغغرى عنه وإذا عرفنا هذا فنقول لو انحصرت مآخذ الأحكام في المنصوصات والمعانى المستشارة منها لما وسع القياس لكل ذلك فإنا نعلم أن المنصوصات معانيها لا تنسحب على كل المعانى ولو لم يتمسك الماضون بمعانى وقائع لم تعهد وأمثالها لكان يزيد وقوفهم في الأحكام على فتاويهم وجريانهم فيها قال الشافعى رحمه الله: من سير أحوال الصحابة - رضي الله عنهم - وهم الأسوة والقدرة لم ير لواحد منهم تمهيد قياس على ما يفعله القياسيون بل كانوا يخوضون في وجوه الرأى من غير التفات إلى الأصول كانت أو لم تكن فثبت بمجمع ما ذكرناه صحة القول بالاستدلال ومما يدل على صحة ما ذكره الشافعى رحمة الله عليه وتمسك به أنه إذا استندت المعانى إلى الأصول فالتمسك بها جائز وليست النصوص وأحكامها حججا وإنما الحجة في المعنى وأعيان المعنى ليست منصوصة وهى المتعلق بها بل نقطع بمحض خروج المعانى عن ضبط النصوص فدل أن المعانى حجة كافية ولو راعينا ردها إلى الأصول تنصرف الأصول عن كثير من المعانى ومن يتتبع كلام الشافعى لم يره متعلقا بأصل ولكنه يبنى الكلام في الأحكام على المعانى المرسلة فإن عدمها حينئذ شبه بالأصول.