بالنص القدر الذى يفسد والقدر الذى لا يفسد وجب الرجوع إلى الاجتهاد.
وقال بعضهم: إن قدر ما يفسد الصلاة على التقريب ما إذا شاهد المشاهد لم يظن أنه في الصلاة وعلى الجملة فلا شك أن العمل في ذلك على ما ظن المصلى أنه قليل فلا يفسد أو كثير فيفسد وليس ذلك راجع إلى أصل بعينه من أصول الشرع وقد ألحق بعض أصحاب أبى حنيفه بهذا الباب انكشاف ساق المرأة فإنه يقول إذا انكشف ربع الساق فما فوقه فسدت صلاتها وإن كان قد انكشف ما دون الربع لا تفسد وذكروا لهذا التقدير وجها على التقريب وهو أن الناظر إلى ساق المرأة إذا كانت الساق مكشوفة إنما يبصر جانبا منها وللشئ اربعة جوانب فإذا رأى جانبا منها فيكون قد رأى الربع فجرى في هذا مجرى الكل في فساد الصلاة وهذا أيضا شئ قالوه على وجه التقريب من غير أن يستند إلى أصل وعلى هذا من مذهبهم مقادير النجاسات المعفو عنها وقدر ما ينزح من الدلاء من البئر عند وقوع الحيوانات فيها.
وقد قدر الشافعى أيضا في المتابعة بين الإمام والمأموم فقال: إذا سبق الإمام المأموم بركن واحد أو ركنين لم تفسد المتابعة وإن سبق بثلاثة أركان فسدت المتابعة١ وهذا تقدير على وجه التقريب ليس له أصل بعينه ولذلك قال في المسافة بين الإمام والمأموم إذا زاد على مائتى ذراع أو ثلاث مائة فسدت المتابعة وفيما دون ذلك لا تفسد وإن كان هذا تقديرا على وجه التقريب غير مستند إلى أصل بعينه وعلى هذا نفقة الموسر والمعسر ينظر في ذلك على حسب العادة فيعرف بذلك الموسر من المعسر ونجرى الحكم على ذلك وهو غير مستند إلى أصل بعينه.
وكذلك القول في جهة الكعبة ومقدار ما يعرف أنه على جهة الكعبة أو ليس على جهة الكعبة وكذلك ما يتوصل به إلى معرفة قيم المتلفات وإيجاب قدر القيمة حكم شرعي وقد تعلق بأمارة غير مستندة إلى أصل.
وقد قيل: إن الأمارة في هذا عقلية وهى النظر إلى عادات الناس.
ألا ترى أن من قوم الثوب بعشرة لو قيل له: لم قومته بذلك يقول: إن عادة الناس أن يبيعوا مثل هذا الثوب بعشرة ويمكن أن يسألوا على هذا فيقال إذا جعلتم الأمارة في هذا عقلية فهلا قلتم: إذا خرق زيد ثوب عمرو يكون الواجب تخريق ثوبه