وأما الذى تعلقوا به من قوله تعالى:{وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً}[الأنبياء: ٧٩] .
قلنا: لم يذكر الله تعال أنه آتى كلاهما حكما وعلما فيما حكما به في هذه الحادثة فيجوز أن المعنى من ذلك إعطاء العلم بوجوه الاجتهاد في طرق الأحكام وعلى أنه يرد عليهم ما قالوه فإنه ليس يجب إذا كانا قد أصابا أن يكون كل مجتهد مصيبا في هذه الشريعة ويدل على ذلك من جهة السنة قوله عليه السلام: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب له أجران وإن اجتهد فأخطأ له أجر واحد".
فأخبر صلى الله عليه وسلم بأن منهم من يصيب ومنهم من يخطئ وإن حكم المصيب كذا ولو كانوا مصيبين كلهم لم يكن لهذا التقسيم معنى.
فإن قيل: معنى قوله فأخطأ أى أخطأ النص. ثم قالوا: لو كان خطأ كما قلتم لم يستحق الأجر لأن أحسن أحوال المخطى العفو فأما استحقاق الأجر فلا.
والجواب الأول: قلنا: لو كان معنى قوله فأخطأ أى أخطأ النص لكان معنى قوله: فأصاب أى أصاب النص لا يكون حينئذ للاجتهاد حكم ما والخبر ورد في موضع إثبات حكم الاجتهاد وإصابة الحق أو عدم إصابته وأيضا فإنه لا يقال: من لم يبلغه النص ولم يتمكن منه أنه مخطئ للنص كما لا يوصف من لم يبلغه شريعة النبى صلى الله عليه وسلم بأنه قد أخطأها وأيضا فإن من طلب النص واستقصى في طلبه فلم يظفر به واجتهد فهو مصيب عندكم وإن طلب فقصر في الطلب فهو مخطئ في الاجتهاد فلا يستحق الأجر عند أحد فكيف يصح الحمل على هذا الموضع وأما الأجر الذى يستحقه إذا أخطأه فهو بقصده طلب الصواب باجتهاده فيؤجر بذلك وإن كان قد فاته المقصود وسبيل هذا سبيل رجل قصد مكة للحج فسلك بعض الطريق ثم انقطع فهو على ما قطعه من الطريق مأجور وإن كان بانقطاعه عن بلوغ بلوغ البت منقوصا كمن افتتح الصلاة ثم تبين أنه لم يكن على طهارة فإنه لم يكن مأجورا وإن لم يحصل الغرض له منها وكمن أخرج درهما ليتصدق به ففعل. ثم استحق فإنه يكون مأجورا على قصده التقرب به إلى الله تعالى وإن كان لم يحصل غرضه ومقصوده والمعتمد من الدليل الإجماع من الصحابة فإنهم اتفقوا على الاجتهاد في المسائل وأنكر بعضهم على البعض وخطأ بعضهم بعضا ونصوا على الخطأ في اجتهادهم فلو كان كل مجتهد مصيبا وكانوا يعتقدون ذلك لم يصح