للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدل على هذا واستدل من منع ذلك وقال: إن الشرائع إنما تعبد الله تعالى بها لكونها مصالح.

والإنسان قد يختار الصلاح وقد يختار الفساد فلو أباح الله سبحانه للمكلف أن يحكم بما اختاره المكلف لكان قد أباحه الحكم مما لا نأمن كونه فسادا واستدل من جوز ذلك بأنه إذا جوز أن يفوض الله تعالى إلى المكلف أن يختار واحدة من الكفالات جاز أن يفوض إليه الحكم بواحد من الأحكام بحسب اختياره ولأنه إذا جاز أن يتعبد الله تعالى العامى ليختار العمل على فتوى واحد من الفقهاء ويتعين ذلك باختياره جاز مثل ذلك في أصل التعبد ولأنه إذا جاز أن يكلف الله من الإنسان العمل على الأمارات مع أنها قد تخطئ جاز أن يكلف الإنسان أيضا العمل على اختياره وإن كان الإنسان قد يختار الصواب كما يختار غير الصواب. وأما من قال: يجوز للأنبياء ولا يجوز لغيرهم فاستدل على ذلك بالوجود وهو قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: ٩٣] ولأن السنة مضافة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وحقيقة الإضافة تقتضى أنها من قبله ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال في مكة: "لا يختلا خلاها ولا يعضد شجرها" قال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لقبورها وأفنيتها. قال: "إلا الإذخر" ١ ولأن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الحج فقيل: أحجتنا هذه لعامنا أم للأبد فقال: "للأبد ولو قلت لعامنا لوجب -يعنى في كل سنة- وما استطعتم" ٢ ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ولولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" ٣ ويدل عليه قوله عليه السلام: "عفوت عن أمتى صدقة الخيل والرقيق إلا أن في الرقيق صدقة الفطر" ٤ قالوا: ولأنه روى أن موسى عليه السلام أثبت الأحكام كلها من جهته إلا تسع آيات أنزلها الله تعالى والأولى أن يتعلق في هذه المسألة بوجود وجوب الأشياء عن اختيار من الموجب وقد تحقق هذا من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأما في حق غيره فلم يوجد وهذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معصوما من الخطأ فيجوز أن يقال: له احكم فإنك لا تحكم إلا بالصواب وهذا لا يوجد في حق غيره فلم يامن خطأه ولأن الله تعالى قد قال:


١ أخرجه البخاري: الصيد "٤/٥٥" ح "١٨٣٣" ومسلم: الحج "٢/٩٨٦" ح "٤٤٥/١٣٥٣".
٢ أخرجه البخاري: العمرة "٣/٧٠٩" ح "١٧٨٥" ومسلم: الحج "٢/٨٨٣" ح "١٤١/١٢١٦".
٣ أخرجه البخاري: الجمعة "٢/٥٣٤" ح "٨٨٧" ومسلم: الطهارة "١/٢٢٠" ح "٤٢/٢٥٢".
٤ أخرجه أبو داود: الزكاة "٢/١٠٣" ح "١٥٧٤" والترمذي: "٣/٧" ح "٦٢٠" والنسائي: الزكاة "٥/٢٦" "باب زكاة الزرق" انظر نصب الراية "٢/٣٥٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>