للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث لو عرض عليهم تلك الدلائل لم يفهموها أصلا فضلا من أن يصيروا أصحاب دلائل ويقفوا على العقائد بالطرق البرهانية وإنما غاية العامى هو أن يتلقى ما يريد أن يعتقده ويلقى زنة١ من العلماء ويتبعهم في ذلك ويقلدهم ثم يسلمون عليها بقلوب سليمة طاهرة عن الأدغال والأهوال ثم يعضون عليها بالنواجذ فلا يحولون ولا يزودون ولو قطعوا إربا فهنيئا لهم السلامة والبعد عن الشبهات الداخلة على أهل الكلام والورطات التي تورطوا فيها حتى أدت بهم إلى المهاوى والمهالك ودخلت عليها الشبهات العظيمة وصاروا في الآخرة متحيدين عمين ولهذا لا يوجد منهم متورع متعفف إلا القليل لأنهم أعرضوا عن ورع اللسان وأرسلوا بما في صفات الله تعالى بجرأة عظيمة وعدم مهابة وحرمة ففاتهم ورع سائر الجوارح. وذهب ذلك عنهم بذهاب ورع اللسان والإنسان كالبنيان يشد بعضه بعضا وإذا خرب جانب منه تداعى سائر جوانبه للخراب ولأنه ما من دليل لفريق منهم يعتمدون عليه إلا ولخصومهم عليه الشبه القوية بل يدعون لأنفسهم مثل ذلك الدليل سواء وغاية الواحد منهم في الفلح والعلو على صاحبه بزيادة الحذق في طريقة الجدل وبينهم أوضاع يناظرون عليها ويطالبون الخصم بطردها فإذا لم يفوا بطردها سموها انقطاعا وعجزا وعلى أنا لا ننكر من الدلائل العقلية بقدر ما ينال المسلم به برد اليقين ويزداد به مشقة فيما يعتقده وطمأنينة وأنما ننكر إيجاب التوصل إلى العقائد في الأصول بالطريق الذى اعتقدوه وساموا جميع المسلمون سلوك طريقة وزعموا أنه من لم يفعل ذلك فلم يعرف الله تعالى. ثم أدى بهم ذلك إلى تكفير العوام أجمع وهذا هو الخطر الشقاء والداء العضال وإذا كان السواد الأعظم هو العوام وبهم قوام الدين وعليهم مدار رحى الإسلام ولعله لا يوجد في البلدة الواحدة التي تجمع المائة الألف والمائتين الألف ممن يقوموا بالشرائط التي يعتبرونها إلا الفذ الفادر والشاذ النادر ولعله لا يبلغ عند العشرة فمتى يجد المسلم من قبله أن يحكم بكفر هؤلاء الناس أجمع ويعتقد أنه لا عقيدة لهم في أصول الدين أصلا وأنهم أمثال البهائم والدواب المسخرة وعن ثمامة بن الأشرس وكان من أئمة المعتزلة المذكورين فيهم: أنه رأى قوما يتعادون يوم الجمعة إلى المسجد لخوفهم فوت الصلاة فقال: انظروا إلى الفقراء انظروا إلى الحمير وقال عمر بن النضر: مررت بعمرو بن عبيد فجلست إليه فذكرت شيئا فقلت ما هكذا يقول أصحابنا قال: ومن أصحابك قلت: يوسف بن عون


١ [زنة] هكذا في الأصل ولعل معناه: قليل. انظر القاموس المحيط "٤/٢٢٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>