للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عليه السلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد" ١ وإذا حكم العدل بين خصمين لم يخل حالهما من أن يكونا من أهل الاجتهاد أو من غير أهله فإن لم يكونا من أهل الاجتهاد لزمهما ما حكم به عليهما في الظاهر والباطن وإن استفتيا فأفتى يلزمهما أيضا حكم ما أفتى به لكن يكون حكم الحاكم ألزم من فتيا المفتى وإن كان المتحاكمان من أهل الاجتهاد ولم يخل حكمه عليهما من ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يكون حقا عندهما فعليهما إلزامه.

والحالة الثانية: أن يكون باطلا عندهما فيلزمهما عملا ولا يلزمهما معتقدا ويجوز أن يقال يلزم المحكوم عليه ولا يلزمه المحكوم له لأن المحكوم له مخير والمحكوم عليه مخير.

والحالة الثالثة: إن يكون عند احدهما حقا وعند الآخر باطلا فإن كان معتقدا لحق هو المحكوم له وجب له استيفاؤه وعلى المحكوم عليه أداؤه وينبغى على قول الشافعى رحمه الله أن لا يجب على المحكوم عليه أداؤه في الباطن وإن أوجب الحكم أداؤه في الظاهر وإن كان معتقدا لحق هو المحكوم عليه ومعتقد الباطل هو المحكوم له وجب على المحكوم عليه أداؤه في الظاهر والباطن واستيفاؤه وللمحكوم له استيفاؤه في الظاهر وفى استباحته له في الباطن مذهبان٢ وإذا استفتى المتنازعان فقيها مع وجود الحاكم فإن التزما فتياه عملا بها وإن لم يلزما فتياه كان الحاكم أحق بالنظر بينهما ولو لم يجدا حاكما فقد قيل: يلزمهما فتيا الفقيه إذا لم يجد غيره مفتيا ولا حاكما. وقيل: لا يلزمهما حتى يلتزماها ولو وجدا غيره لزمهما من الفقهاء ولم يجدا حاكما لم يلزمهما فتيا الفقيه حتى يلتزماها ويفتيهما باقى الفقهاء بمثل فتيا الأول وإن التزما فتيا الفقيه ثم تنازعا إلى الحاكم فحكم بينهما بغيره لزمهما فتيا الفقيه في الباطن وحكم الحاكم في الظاهر. وقيل: يلزمهما حكم الحاكم في الظاهر ولو استفتيا فقيها فأفتاهما ورضى به أحدهما وامتنع الآخر لم يلزم الممتنع ولو تحاكما إلى حاكم فرضى به أحدهما وامتنع الآخر لزم الممتنع ولو اختلفا فدعا أحدهما إلى فتاوى الفقهاء ودعا الآخر إلى حكم الحاكم أجيب الداعى إلى حكم الحاكم لأن فتيا المفتى إخبار وحكم الحاكم إخبار وإذا دعى إلى حكم الحاكم أجبر وإذا كان الفقيه عدلا والحاكم ليس بعدل فأفتاهما الفقيه


١ أخرجه البخاري: المظالم "٥/١٤٧" ح "٢٤٨٠" ومسلم: الإيمان "١/١٢٤" ح "٢٢٦/١٤١".
٢ انظر روضة الطالبين "١١/١٥٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>