للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلامه فكان بعض كلام العاقل بعض كلام الغافل بعض كلام المجنون وكان ذلك الاختلاط لنقصان عقله كما يكون في حق الصبى إلا في حق العبادات فإنا لم نسقط به العبادات.

وأنا أقول: إن هذا الكلام باطل لأن العته نوع جنون إلا أنه يعقل قليلا وهو في التأثير في العقل أكثر من الصبى بعد أن عقل فإذا كان ذلك يمنع وجوب العبادات فالعته أولى بالمنع. وقولهم: إن الجنون إذا قصرت مدته يكون كالنوم كلام باطل أيضا لأن العقل قائم في النائم زائل في المجنون رجعنا إلى كلامه.

قال: وأما السفه بعد البلوغ فلا يوجب الحجر لأن السفه ليس بنقصان العقل وإنما هو مكابرة العقل بغلبة الهوى وقد نهاه الشرع عن اتباع الهوى فلا يصير اتباعه الهوى بخلاف موجب العقل عذرا لم يوجب الحجر نظرا له ولم يجعل السفيه وإن كان مغلوبا هو له كالمكروه الذى هو مغلوب لغيره لأن ذلك عذر عند الله تعالى وهذا لم يجعل عذرا عند الله تعالى لقدرته لا محالة على الدفع ولو لم تساعده نفسه وإنما يصير مغلوبا بالمساعدة للهوى مختارا ونحن قد أجبنا عن هذا في مسألة المحجور عليه بالسفه ذكرنا طريقة توجب الحجر على السفيه.

قال: وأما النوم والإغماء فنوع واحد وهو فترة بعارض منع من أستعمال العقل مع قيامه وحكم النوم تأخير حكم الخطاب في حق العمل به لا سقوط الوجوب أصلا على ما قال عليه السلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها" ١ ولما ذكرنا أن نفس العجز لا يسقط الوجوب أصلا وإنما يسقط وجوب العمل إلى حين القدرة إلا أن يطول فيسقطه دفعا للحرج والنوم لا يمتد عادة بحيث يخرج العبد في قضاء ما يفوته في حال نومه لأنه عادة لا يمتد مع الليل يوما كاملا إلا يستيقظ فيه وإنما يكون بالليالي والإغماء بمنزلته إلا في حق الصلاة فإذا كان مدة ست صلوات سقط القضاء لأن الصلاة تتكرر إذا كانت ستا وفى ذلك حرج والإغماء يمتد هذا القدر من المدة فيجعل مسقطا لوجوب الصلاة دفعا للحرج. بمنزلة الجنون وكان الإغماء كالنوم في حق الصوم والزكاة لأنه لا يمتد في العادات شهور وسنين وفى الصلاة كما ذكرنا.

فإن قيل: إن السكر بمنزلة الإغماء ولم يتأخر به الخطاب.


١ أخرجه البخاري: المواقيت "٢/٤٨" "٥٩٧" ومسلم: المساجد "١/٤٧٧" ح "٣١٥/٦٨٤" بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>