للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأفكار الجديدة، وصار أطوع للتعبير عن مختلف الخلجات النفسية، وأخذ يتخلص تدريجًا من المحسنات، والزخارف اللفظية، وإن كان السجع بصفة خاصة، وما يلازمه من محسنات ظل يتلكأ حتى نهاية العشر الأوائل من القرن العشرين، وكان هناك صراع مرير بين المعجبين به، والقالين له سنذكره بعد قليل.

ويلاحظ على وجه العموم أن طريقة الكتابة سواء كانت صحفية، أو أدبية أو اجتماعية قد تغيرت تبعًا لتغير طريقة التفكير، نتيجة ازدياد الثقافة والاهتمام بالقضايا العامة، والعمل الجاد لإنهاض الأمة في شتى مجالات الحياة، فصارت عبارات الكتاب تميل إلى القصر، وتحبس كل جملة منها على معنى واحد. واعتماد لون طريف في ترتيب الكلام، وتبويبه وسوق المقال في الغالب لأداء فكرة واحدة، واستحداث صيغ جديدة لأداء معان جديدة، والتخلص من الكلمات الدخيلة والأساليب القديمة الرثة، أو الأساليب التي لا تتفق مع قواعد العربية، والتجوز بكثير من المفردات لإصابة ما لا تطوله بأصل الوضع اللغوي.

لقد اتسعت آفاق الكتابة، وتميزت منها ثلاثة ألوان: اجتماع، وسياسة، وأدب.

فالنثر الاجتماعي كان نتيجة نمو الوجدان الاجتماعي نموًا محسوسًا، والتخلص من الروح البطيئة الهامدة، ولذلك نراه يتطلب صحة العبارة، والتخلص عن الزخرف والزينة، ويتوخى وضوح الجمل، وترك المبالغة والتهويل، ويعمد إلى سلامة الحجج، وإيرادها على حكم المنطق الصحيح، وربط الأسباب بمسبباتها، والدقة في التفصيل؛ لأن الغرض منه معالجة الأمر الواقع، فلا ينبغي فيه استعمال الأقيسة الشعرية، ولا الخيال المجنح، اللهم إلا في الأحوال التي تقتضي استفزاز الجماهير وإثارة عواطفهم، وتحمسهم للإقلاع عن خلة فاسدة، أو للتظاهر على الاضطلاع ينفع عام على أن يكون ذلك بقدر، فإن الأغراض الاجتماعية إنما تجري في حدود الحقائق على كل حال، وقد بعد هذا النثر الاجتماعي عن السجع والتكلف؛ لأن الجري وراء السجع قد يفوت على الكاتب الغرض الذي يرمي إليه، وقد يذهب المعنى المراد في سبيل سجعة متكلفة، ولا

<<  <   >  >>