ويقول بطرس البستاني "الصغير" صاحب كتاب أدباء العرب الذي ظهر أول أجزائه سنة ١٩٣١، وظهر الجزء الثالث منه ذلك يتناول الأدب الحديث سنة ١٩٣٧:"نشأت النهضة في مصر قبل غيرها من الأقطار العربية، واتسعت دائرتها في زمن قصير"، ثم يذكر عوامل هذه النهضة من بعثات، ومدارس وترجمة، وينوه بقوة الحركة في زمن إسماعيل ثم يقول:"ولبثت مصر منفردة في الاستقلال بالعلوم حتى نهض رجال البعثات الأمريكية في لبنان، وأنشأوا مدارسهم، وجعلوا العربية لغة العلوم، فنقلوا إليها كتبا كثيرة في الطب والطبيعيات والرياضيات، إلا أنهم عدلوا عنها بعد حين إلى الإنجليزية، فسكنت تلك الحركة المباركة".
وفي الحق إن النهضة بلبنان لم تقو إلا بعد سنة ١٨٦٠، وأفاد اللبنانيون من تعلم اللغات الأجنبية، ومن المدارس الطائفية الخاصة التي أمدتهم باللغة العربية، بيد أن النزاع الطائفي من جهة، والاضطهاد التركي، وما صاحبه من كبت وحرمان من جهة أخرى جعل هذه البراعم الأدبية الغضة التي ابتدأت تظهر ثمة تذوى، وتذبل إلا من آثر منهم الهجرة إلى مصر، وهنا تألقوا وأفادوا واستفادوا، وكانوا عاملًا من عوامل نمو النثر، والأدب في الأرض الكنانة.