تعد الرسائل أقدم فنون الأدب في النثر العربي، منذ استحال إلى صناعة فنية على يد عبد الحميد الكاتب، وكان للرسائل شأن عظيم في أخريات العصر العباسي، ونبغ فيها جمهرة من أكابر الأدباء، استطاعوا بأقلامهم أن يصلوا إلى مرتبة الوزارة، ثم صار ديوان الإنشاء في الدول العربية المتعاقبة لا يتولاه إلا أديب زمانه، الذي يفتن في كتابه الرسائل، ولقد ورثنا في العصر الحديث ... بعد عصر الإحياء -عددًا ضخمًا من هذه الرسائل التي دبجتها أقلام الأدباء على مر العصور، ووجدنا أن بعض هذه الرسائل تطول حتى تبلغ حد المقال، كرسالة الشطرنج لعبد الحميد، ودفاع عن البخل لسهل بن هارون، ومن أشهر المدارس التي عنيت بالرسائل مدرسة ابن العميد، وهي مدرسة النثر الشعري، وكان لهذه أثرها البين في أدبنا الحديث.
وإذا كان كتاب المقالة قد خلطوا في بادئ الأمر بينها، وبين المقالة كما رأينا في بعض أعداد روضة المدارس، وكما رأينا حتى لدى الشدياق، إلى أن تميزت كلتاهما عن الأخرى، فإن الرسالة لم تكن موضوعًا لهذا الخلط، فهي إما إخوانية، أو ديوانية تصدر بلسان السلطان، وكلاهما وجدت لها النماذج الواضحة في الأدب القديم.
ولعل شيخ الكتاب في هذا الباب، وصاحب الأثر المشهور فيه هو عبد الله فكري، إذ كان ديوانيًا بالنشأة والمربى، وعلى يديه نقل الديوان في مصر من التركية إلى العربية، وقد سن للكتاب طريقة الكتابة التي تصدر عن مختلف فروع الديوان، ومن حسن الحظ أنه كان أديًبا بالطبع وله ذوق شاعر، ولذا قاد مدرسة ابن العميد، ولم يلجأ إلى تقليد العصور المتأخرة، فأتت رسائله قصيرة الفواصل، عليها طلاوة شعرية، وفيها سجع مقبول، محلاة ببعض الخيال والبديع.