للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عبد العزيز جاويش]

وذلكم هو الشيخ عبد العزيز جاويش، وقد تخرج في دار العلوم سنة ١٨٩٧، وأتم تعليمه في إنجلترا، وعين أستاذًا في جامعة أكسفورد مدة سنتين، وانضم إلى الحزب الوطني بعد عودته سنة ١٩٠٦، وحرر في اللواء والعلم، وكان قلمه فيهما يتلظى وحمية، وغيرة على كل مقومات شعبنا العربي بمصر، وله تاريخ حافل في الجهاد وتغرب عن وطنه مدة، وتوفي في يناير ١٩٢٩.

وهاكم رسالة إلى حبيب، وقد وجه إليه الخطاب بصيغة المذكر تقية ومداراة، وكان الشيج جاويش يحرص على بعث بعض الكلمات التي أماتها الإهمال، أو النسيان فيكل مقال يكتبه، فلا يدع إذا غصت رسائله بالغريب، والرسائل موضع الاحتفاء، ومجال المباهاة بالأدب، يقول:

"سيدي -مالي أراك كمن نسي الخليط، وتجرد في الصحبة عن المحيط والمخيط، فإذا ما صادفتك صدفت، أو أنصفتك ما أنصفت، أتظن أني قعيدة بيتك، أو رهين كيتك وذيتك؟، فوحقلك إذا آنست من يدي مللا، أو من قدمي كللا لنحزئها البنات، ووكلت ينقصها الذات، ولو أني آنست من الزاد فترة، أو من الشراب عسرة لطعمت الطوى، واستقيت الجوى، فكيف أداعب وتصاعب، وأحالف وتخالف، وأواصل وتفاصل؟ وأجاب وتجانب؟، لبئست مطيتك التي اقتعدت، وشرعتك التي شرعت، فوالله لولا أن الحب حادث لا يتقى بالتروس، ومعنى لا يدرب إلا في النفوس، وسهام لا ترمى إلا من قسي الحواجب، ونحو أوله المعية وآخره الجوازم، لما افترست بالظباء الأسود الصيد، ولا ملكت الأحرار العبيد، ولولا أني كرعت من صابه، والتحفت ببردة أوصابه لتعوذت منك بسورة الفلق، ونبذتك نبذ الرداء الخلق، ولهان على أن أدعك أو أسمعك:

تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام

غير أن لي نفسًا شبت على الحب فلم أفطمها، وتقادعت على ناره فلم أعصمها، حتى بلغ السيل الزبى، وتبددت النفس أيدي سبا، إلا حشاشة غفل عنها الوجد، وبقية رمق ألفيتها من بعد، وكلما رأيت منك الشطط والاعتساف، عمدت إلى أن أثنى من رسنها، وأذودها عن عطنها، وشخصت إلى المكافحة، والمكافأة، وألا أكيلك إلا مثلًا، ولا أسفيك إلا وشلا ولا أزيدك إلا فشلا.

<<  <   >  >>