ومن رسائل الشيخ مفتاح في غرض آخر قوله، وقد أهدى أحد كتبه إلى بعض الأدباء:"الهداية "غمرك الله بالمعروف" تبسط يد المودة، وتدربها أخلاف القرب، وتغرس بين المتحابين من الائتلاف بقدر ما تقطع بينهما من شجر الخلاف، وما أنا فيما أهديه إليك إلا: كمستبضع تمرًا إلى أرض خيبر، أو كالواهب الماء للبحر، والضوء للبدر، والملك لسليمان، والمال لقارون، والحلم لأحنف، والذكاء لإياس، والتفسير لابن عباس، وما ذاك إلا كتاب كما تراه ضرب في الإحكام بسهم، ووعي من الأحكام ما خلت منه مفعمات الأسفار، وموجزات الرسائل، فهو كما قيل: "كل الصيد في جوف الفرا".
تزين معانيه ألفاظه ... وألفاظه زائنات المعاني
على أني وإن تطفلت عليك، وسقت لك هذا الكتاب مزدلفًا إلى جنابك الرحب، ومقامك الأسنى -فقد أصبت كبد الصواب، ووضعته حيث يعرفه أهله، ويتقبله من باذله عالموه، علمًا بأن عماد العلوم وأساس الفضائل، لا تغادر شاردة إلا وعيتها، ولا نادرة إلا رويتها، وإلا.
لو كان يهدي على قدري وقدركم ... لكنت أهدي لك الدنيا وما فيها
ولعلك لاحظت ما تضمنه من الإشارات التاريخية، وحسن التأني في عرض الهدية، وقلة ما ورد فيه من الفقر المسجوعة، وأنه كان يعتمد على الازدواج، والترادف الصوتي أكثر مما يعتمد على السجع.
ولا يسعنا أن نسترسل في إيارد الرسائل لمن اشتهروا بها في هذه الحقبة، فعددهم كثير، وكل له طابعه وأسلوبه، وطريقته في التأنق والصياغة وسأكتفي بذكر اثنين منهم أولهما زعيم من زعماء الوطنية، ومن ذوي الأقلام القوية، واشتغل بالسياسة والصحافة، ولكن كانت تغلب عليه ثقافته اللغوية، والأدبية ويسعفه محفوظه من جيد الكلام نثره وشعره، وبخاصة حين يدبج رسالة إلى صديق يضاهيه في أدبه وفضله، أو إلى حبيب يعتب عليه جفاءه، ويستجدي رضاءه.