وقبل أن نفرغ من أدب المقالة علينا أن نلقي نظرة سريعة على بعض أدباء الشام في تلك الحقبة، وإن كان معظم النابهين من كتاب الشام قد اتخذ مصر مقامًا، وفيها ازدهر أدبهم، واتسعت شهرتهم، ومن هؤلاء إبراهيم اليازجي، وقد اشتهر بأبحاثه اللغوية، ولكنه كان يحترف الصحافة فأنشأ مجلة البيان، وكان يؤثر الأسلوب المسجوع شأن كل أدباء الشام في تلك الحقبة، ومن مقالاته الأدبية قوله عن الحرب:"الحرب مناجزة المتخاصمين، بالسلاح طمعًا في جر مغنم، أو دفعًا لمغرم، فهي هجوم ودفاع، وسطوة وامتناع، فطر عليها الإنسان، لما في طبعه من الأثرة، والعدوان، ونزعت إليها القبائل، والممالك في كل زمان ومكان على ما يصحبها من نهب الأعمار وهدر الدماء، واستباحة الذمار وجوائح البلاء، وما تجد وراءها من البوار والدمار، والجوع والوباء ... إلخ".
ونرى له قطعًا وصفية في الزهرة والقمر وغيرهما، وهي تسير على هذا النمط، ويكثر فيها من ضروب الخيال التفسيري من تشبيه واستعارة، وترى الافتعال والتكلف واضحين في مثل هذه كقوله يصف الزهرة:"وإذا رأيتها بارزة في طليعة الكواكب، وقد تجلت في فلكها حين لا يبدو طالع، ولا غارب، فاستلت من الهلال سيفًا استقبلت نحر الظلماء، ثم نادت في جيشها، فإذا به قد طبق نواحي السماء، فبرز الرامي فأوتر قوسه، وانتصب للنضال، ووضع الجبار يده على سيفه ونادى: يا للنزال! وأشرك السماك رمحه فخفق له فؤاد العذراء، وأطلق المريخ سهمه، فإذا هو مضرج بالدماء، وتتابع سائر الجيش بسلاحه، فلا ترى إلا وميضًا وبريقًا وأسنة قد غاصت في كبد الدجنة فمزقتها تمزيقًا، فما أقبل جيش الصباح إلا والأفق مخضوب بدم الدجى، وقد بلغ سيله الزبى بل جاوز الربى".
وهكذا نراه قد أقام نجوم السماء في حرب ضروس بعضها مع بعض، وتخيل هذا الخيال الغريب، ولم نفد نحن من هذا الوصف شيئًا، ولم تزدنا تشبيهاته ومجازاته علمًا بالمشبه أو الموصوف، وهذا شأن أدب الصنعة الذي لم تبعثه عاطفة أو غرض سام، وكأني بهؤلاء الناس لم يدركوا وظيفة الأدب، ولا مهمة أركان البلاغة.