مقالات التنكيت، ولا شك أن هذا التطور في أسلوبه كحان نتيجة لتطور الأسلوب الصحفي بعامة في أخريات هذا القرن، ولنضرب مثلا على ذلك من مقال بعنوان "حرب الأقلام بجيوش الأوهام": وفيه يقول: "فلو ترك الشرقيون والأوروبيون لتمتع الفريقان بثمرة المخالطة، وتمكنت منهما دواعي المحبة، وتأكدت روابط الألفة بالاشتراك في المعاملة والمساكنة، وما أوغر الصدور وأفسد النيات إلا هؤلاء الكتاب الذين قبحوا الشرقي للغربي، وافتروا عليه الأكاذيب، وملئون بها جرائدهم وكتبهم، ونشروها بين العالمين الشرقي والغربي، فظن الغربي أن الشرقي بهيم لا يصلح للملك، ولا يليق إلا للاستعباد والقهر، وظن الشرقي أن الغربي عدوه الألد الساعي في سلب سلطته، ونهب ثروته وإعدام دينه، واستعباد إخوانه، فوقعت النفرة بهذه المفتريات".
فهذا الأسلوب هو الذي صارت إليه الكتابة الصحفية منذ ذلك الحين، يوم أن كان يتولى تحريرها ذوو الأقلام القوية، فيه سهولة، ولكنه رصين متين، وهو غير الأسلوب الأدبي، وسنعرف خصائص كل من الأسلوبين بعد قليل إن شاء الله، وهكذا رأينا عبد الله نديم ابتدأ تلميذًا مخلصًا لمدرسة الصنعة والبديع، وظل على ذلك ردحًا طويلًا من الزمن، ثم تحول إلى النثر المرسل، والأسلوب الصحفي، ولم يكن يلجأ إلى السجع والبديع إلا في رسائله، وقد كتب به مذكراته كما رأينا في مستهل الكلام عنه، إن كتابة النديم الصحفية في الأستاذ صارت مثلًا يحتذى من حملة الأقلام، ومحرري الجرائد والمجلات في عصره، وبعد عصره سواء في موضوعاتها السياسية والاجتماعية، أم في أسلوبها السهل القوي.