وإذا أردنا أن نقف على الدوافع التي حدث بحافظ إبراهيم إلى كتابة ليالي سطيح، علينا أن نلقي نظرة خاطفة على حياة حافظ في الحقبة التي سبقت تأليف الكتاب: تخرج حافظ في المدرسة الحربية، وكان قد دخلها بالشهادة الابتدائية، ويعد تخرجه عين في الجيش، وسافر إلى السودان.
وكان حافظ منذ حداثته مشغوفًا بالشعر يتخير جيده ويحفظ منه الكثير، وقد آنس في نفسه القدرة على نظمه، ولم يكن أبدًا ميالًا إلى الحرب، ولعله دخل الحربية تأسيا بمثله الأعلى في الشعر محمود سامي البارودي، ولكن شتان بين طبيعتين، طبيعة الفارس الذي تجري في عروقه دماء أجداده المماليك، وطبيعة حافظ الوداعة المسالمة.
ولم يشترك حافظ إبان مقامه بالسودان في معركة، أو يحمل سيفًا، وإنما رضي أن يجلس خلف مكتب في إدارة التعيينات، يلبس البزة العسكرية وعقله يهيم في أودية الشعر، وكان قد اشتهر بين إخوانه بقول الشعر وجودة الإلقاء.
ونصاعة الخطاب فاختاروه مدافعًا عنهم في القضايا التي كانوا يتهمون فيها، وقد دافع في عشرين قضية ريحها كلها وبرأ أصحابها إلا واحدة، اعترف فيها المتهم بالقتل، ولم يملك حافظ وسيلة لتبرئته، وهو مصر على اعترافه.
وقد رأى في السودان بشاعة الاستعمار الإنجليزي، وذاته المصريين، والدسائس التي تحاك حولهم، فضاقت نفسه وبرم بهذا الجو الخانق، وهو الذي فطر على الحرية، وأخذ يجأر بالشكوى لأستاذه الإمام محمد عبده عله يتشفع له فيعود إلى مصر، تلك التي أخذ يحن إليها حنينًا شديدًا سجله في أكثر من قصيدة، ومن ذلك قوله يرثي لنفسه التي زج بها في الجندية ألوان الشقاء، وجنى عليها.